عادي

عذب الكلام

22:42 مساء
قراءة 3 دقائق
عذب الكلام

إعداد: فواز الشعار

لُغتنا العربيةُ، يُسْرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئَ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحةِ على فضاءاتٍ مُرصّعةٍ بِدُرَرِ المَعْرفَةِ.

وإيماناً من «الخليج» بدورِ اللغةِ العربيةِ الرئيسِ، في بناءِ ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاويةً أسبوعيةً تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات

في البلاغةِ، «الإشارةُ»، وهي: أنْ يكونَ اللّفظُ القليلُ مُشتملاً على المَعْنى الكثيرِ، بإيماءٍ تدلّ عَليْهِ إشارةُ المتكلّم إلى معانٍ كثيرةٍ بلفظٍ يشبّهُ، لقلّتهِ واخْتصارهِ بإشارة اليد، ومنهُ قولُ زهير:

فإنّي لو لقيتُكَ واتَّجَهْنا

لكانَ لكلِّ مُنْكرةٍ كفاءُ

يعني: قابلتُ كلَّ مُنكرةٍ منكَ بِكُفْئها.

وقولُ امْرئ القَيس:

بعزّهمُ عززتَ وإنْ يذلّوا 

فذلّهمُ أنالكَ ما أنالا

فقوله: «أنالك ما أنالا» إشارةٌ إلى أنواع الذّل.

وقولُه أيضاً:

ولأشكرنَّ غريبَ نِعْمَته

حتّى أموتَ وفضْلُه الفَضْلُ

أنْتَ الشّجاعُ إذا همُ نزلوا 

عندَ المضيق وفعلكَ الفِعْلُ

دُرر النَّظم والنَّثر

«كُلٌّ على شاكِلَتِه»

ابن حزم الأندلسي

فإنَّما طلبَ المالَ طُلَّابُه ليَطْرُدُوا به عنْ أنْفُسِهم هَمَّ الفَقْر، وإنَّما طلبَ الصَّوْتَ ( الذِّكْرَ الحَسَنَ) مَنْ طلبَه، ليَطْرُدَ به عنْ نَفْسِه هَمَّ الاستعلاءِ عليها، وطلبَ اللَّذَّاتِ مَنْ طلبَها، ليَطْرُدَ بها عنْ نَفْسِه هَمَّ فَوْتِها، وطلبَ العِلْمَ مَنْ طلبَهُ، ليَطْرُدَ به عنْ نَفْسِه هَمَّ الجهل، وهَشَّ (انشرحَ صدرُه سروراً به) إلى سماعِ الأخبارِ ومحادثةِ النَّاسِ مَنْ يَطْلُبُ ذلك؛ ليَطْرُدَ بها عنْ نَفْسِه هَمَّ التَّوحُّدِ ومَغِيبَ أحوالِ العالَمِ عنه، وأكلَ مَنْ أكل، وشَرِبَ مَنْ شَرِب، ولَبِسَ مَنْ لَبِس، ولَعِبَ مَنْ لَعِب، واكْتَنَزَ مَنِ اكْتَنَز، ورَكِبَ مَنْ رَكِب، ومشى مَنْ مشى، وتَوَدَّعَ مَنْ تَوَدَّع (صارَ صاحبَ دَعَةٍ وراحة) ؛ ليَطْرُدُوا عنْ أنْفُسِهم أضدادَ هذه الأفعالِ وسائرَ (بقيَّةَ) الهُمُوم.

وفي كلِّ ما ذكَرْنا لمَنْ تدبَّرَه هُمُومٌ حادثةٌ لا بُدَّ منها: مِن عَوارِضَ تَعْرِضُ في خِلالها، وتَعَذُّرِ ما يَتَعذَّرُ منها، وذهابِ ما وُجِدَ منها، والعَجْزِ عنه لبعضِ الآفاتِ الكائنة، ونتائجِ سَوْءٍ تَنْتُجُ بالحُصولِ على ما حُصِلَ عليه مِن كلِّ ذلك؛ مِن خَوْفِ مُنافِس، أو طَعْنِ حاسد، أوِ اخْتِلاسِ راغِب، أوِ اقْتِناءِ عَدُوٍّ، معَ الذَّمِّ والإثمِ وغيرِ ذلك.

 من أسرار العربية

سِنْخُ كُلِّ شيء أصْلُهُ. جِذْرُ كُلِّ شيءٍ أصلُهُ ومثلُه الجَذْمُ. أزْمَلُ كُلِّ شيءٍ صَوتُهُ. تباشِيرُ كلِّ شيءٍ أوَّلُهُ، ومنه تباشيرُ الصُّبْحِ. نُقاية كلِّ شيءٍ ضِدُّ نفايَتِهِ. غَوْرُ كلِّ شيءٍ قَعْرُهُ. يَوْم مُصَرِّح ومُصْح إذا كَانَ خَالِصاً مِنَ الرِّيحِ والسَّحَابِ. رَمْل نَقَح إذا كَانَ خَالِصاً مِنَ الحَصَى والتُّرَابِ. عَبْد قِنٌّ إذا كانَ خالِصَ العُبُودِيَّةِ وَأَبُوهُ عَبْد وَأمُهُ أمَة. مَارِج مِن نارٍ إِذا كَانَتْ خَالِصَةً مِنَ الدُّخَانِ دَقِيقٌ مُحَوَّر.

مَاء مُصَفَّق. شَرَاب مُرَوَّقٌ. كَلاَم مُنَقَّح. حِسَاب مُهَذَّب. فُلْكٌ مَشْحُونٌ. كَأْس دِهَاق. وَادٍ زَاخِر. بَحْر طَام. نَهْر طَافِح. عَيْن ثَرَة. طَرْفٌ مُغْرَوْرِق. جَفْن مُتْرَعٌ. عَيْن شَكْرَى. فُؤَاد مَلآنُ. كِيسٌ اعْجَرُ. جَفْنَةٌ رَذُوم. قِرْبَةٌ مُتأَقَة. مَجْلِسٌ غَاصّ بأهْلِهِ. جُرْح مُقَصَّعٌ إذا كانَ مُمْتَلِئاً بالدَّم.

هفوة وتصويب

تردُ هذهِ الأيامَ كثيراً هذهِ الجملةُ: «وقدْ توافدَ السُّوّاحُ إلى المنطقةِ بكثرةٍ». وهي خطأ، والصُّوابُ: السُّيّاح، لأنَّ سيّاح: جمعُ سائحٍ، والمَصْدرُ: سياحةٌ، وليسَ سِواحة، لذلك الجمع: سُيّاح. 

من الأخطاء قولهم «سوفَ لنْ أسافرَ»، وهي جملة مترهّلة، ويُغني عنها قولك: «لن أسافرَ»، لأنّ «لن»، و«سوفَ» تُفيدان المستقبلَ. وقولُهم: «أقمتُ بينَ الشّارقَةِ وبينَ دُبَيّ» والصواب: «أقمت بين الشارقة ودبي»، لأن «بين» لا تتكرر إلا إن دخلها ضمير، مثل: «وقفَ بيني وبينه». والقول: «هذا من اللامعقول»، والصواب: «هذا من غير المعقول»، لأن «لا» لا تُعَرَّف.

أمثال العرب

إذا غامرتَ في شَرَفٍ مَرومِ

فلا تَقْنعْ بما دونَ النُّجومِ

فطعْمُ الموتِ في أمْرٍ حقيرٍ 

كَطَعْمِ الموتِ في أمْرٍ عظيمِ

البيتان للمتنبّي، يُضربان، في الحثّ على الطموحِ النبيلِ الرّاقي، والسعي إلى كسْبِ المعالي، لأنّ المخاطرة هي نفسُها في الشّأنِ الضئيلِ، والشّأنِ العظيم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"