الشعر ينتصر للإنسان

23:48 مساء
قراءة دقيقتين

 

بالشعر، انتصر الإنسان على الحزن عندما ظهرت قصيدة المرثاة، وبالشعر انتصر الإنسان على العبث والعدم والفوضى عندما ظهرت قصيدة الملهاة، وبالشعر انتصر الإنسان أيضاً على الحرب والعنف والخوف عندما ظهرت قصيدة المأساة. وفي الزمن العالمي الكوروني الرّاهن ينتصر الإنسان على الوباء وتراجيدياته بالشعر، أحد أجمل الفنون التي اخترعها الإنسان من عينيه ومن قلبه، ومحمود درويش كان يقول: «قَتَلتكَ يا موتُ الفنونُ جميعُها».
أكتب ذلك من أرض الواقع، لا من سديم الخيال، فها هو الشاعر الإفريقي د. كريستوفر أوكيموا يُعِدّ انطولوجيا عالمية للشعر في مواجهة «كورونا» بعنوان: «تأمّلات في زمن الوباء» وتضم الأنطولوجيا 500 شاعر وشاعرة من جهات العالم الأربع في رمزية دلالية تحيل إلى أن الوباء جعل من الشعر اسماً علنياً للإنسانية جمعاء ضمن عنوان واحد مشترك هو مواجهة «كوفيد 19».
مرة ثانية ينتصر الإنسان بالشعر على مخاوفه وهزائمه وخساراته، ولعلّها المرة الأولى في تاريخ البشرية وتاريخ الأوبئة التي يوثّق فيها الأدب وعلى نحو جماعي لتداعيات وباء كوني في أزمنة الطاعون، والجدري، والكوليرا، وغيرها من أوبئة سيئة الأسماء والصّيت، لم يكن الأدب، وبخاصة الشعر منه، معنياً بالوباء على نحو مباشر، وعلى نحو إنساني جماعي كما هو الحال في هذه الأنطولوجيا التي تضم مئات الشعراء والشاعرات من جميع بلدان وشعوب العالم، وكانت الأوبئة تمثل موضوعات شعرية وروائية عند كتّاب متفرّقين من العالم وكل واحد منهم كان يكتب برؤية فردية خاصّة به، وكانت الشاعرة العراقية نازك الملائكة قد كتبت قصيدتها الشهيرة «الكوليرا» استلهاماً من الوباء الذي ضرب مصر في أربعينات القرن العشرين، لكن لم تكن الكوليرا مضموناً شعرياً موحّداً لعشرات أو مئات الشعر على شكل أنطولوجي أو توثيقي أدبي، بل كل شاعر كان يكتب في جزيرته أو في عزلته إن صحّت العبارة.
هذه الأنطولوجيا الكورونية أو الكوفيدية العالمية يشارك فيها الشاعر عادل خزام ممثلاً دولة الإمارات بأكبر مساحة شعرية بين الخمسمئة شاعر وشاعرة، ففي حين خصص د. اوكيموا صفحتين فقط لكل مشاركة شعرية في الأنطولوجيا حظي عادل خزام بست صفحات هي جزء من قصيدة مطوّلة له جاءت بعنوان «كورونا.. الثقب الأسود لوجودنا» وهي قصيدة الإرادة الإنسانية العالية عندما تظهر في مواجهة العدم والموت، وهي أيضاً قصيدة الأمل والحياة «لن نموت/ نتباعد/لكن لا نفترق».
 قصيدة عادل نصّ ملحمي يتماهى في صوته الدرامي مع درامية الوباء نفسه، لكن ملحمية القصيدة، تنتصر على ملحمية الوباء، وبخاصة عندما يتحدث عن ضحايا هذه الجائحة:«الأرواح التي صعدت إلى السماء/ رأيناها طائرات ورقية/أفلتتها أيادي أصحابها/ها نحن نلوّح لها من وراء النوافذ/ اذهب بسلام».
مرة ثانية، «قَتَلَتْكَ يا موتُ الفنونُ جَميعُها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"