النوع «ده» من الأسئلة

00:42 صباحا
قراءة دقيقتين

أتمنى أن أعود إلى مقاعد كلية الإعلام؛ لأتأكد من المواد التي يتم تدريسها للطلبة اليوم، فما نراه على الشاشات وفي وسائل إعلامية مختلفة، وعلى «السوشيال ميديا» أو كما يعدونه الإعلام الحديث، يسلك نهجاً مختلفاً عما تعلمناه وفهمناه ومارسناه. صار للمذيع والإعلامي وظيفة أخرى وبات يلعب دوراً مهماً في إشغال الناس عن المواضيع الأساسية والقضايا المهمة والعميقة في الحياة. وإذا وجدت برنامجاً يسلط الضوء على تلك القضايا، فلا بد أن يقابله 10 برامج أو أكثر يجرونك نحو التفاهة والفراغ والنميمة. 
«ما رأيك بالخلاف الأخير بين عمرو دياب ودينا الشربيني؟» سؤال تكرر على عدد مرور النجوم على السجادة الحمراء خلال مهرجان القاهرة السينمائي في دورته ال42، وامتد إلى خارج حدود المهرجان، وبات الفضول «الإعلامي» يلاحق أي فنان يصادفه في أي مكان ليسحب منه أي تعليق ورأي حول العلاقة الشخصية وما يحصل فيها بين عمرو ودينا. والرد طبعاً يأتي على حسب الفنان وذكائه فهناك من وقع في الفخ و«تبرع» بالتصريح بتفاصيل خاصة جداً وسرية لا تعني سوى صاحبي الشأن، مثل مادلين طبر التي ندمت لاحقاً وتراجعت عما قالته، ومنهم من رفض التعليق. 
السؤال المستفز لم ينحصر بأزمة عمرو ودينا؛ بل رأيناه وسمعناه أيضاً خلال الخلاف الذي حصل بين تامر حسني وزوجته بسمة بوسيل، وصار رد الفنانة زينة خلال تكريمها في مهرجان «نجم العرب» على الصحفي الذي سألها عن صحة توسطها لحل الأزمة بين الزوجين «ترند»؛ لأنها غضبت وأوقفت السائل عند حده قائلة «هو أنا جاية أتكرم ولا أجاوب على النوع ده من الأسئلة».
كل الأزمة في «النوع ده من الأسئلة» لا في خلافات الأزواج والطلاق والارتباط بين الفنانين، ومن يتابع الأخبار الفنية خلال الفترة الأخيرة في الوسائل الإعلامية وعلى «السوشيال ميديا»، يدرك مدى انحدار المهنة نحو قاع الفراغ والتفريغ، فراغ المضمون والبحث عن القضايا الفنية الحقيقية لمناقشتها ومعالجتها وتسليط الضوء عليها، وتفريغ عقول الناس من كل ما هو ثري وله قيمة حقيقية يمكنها الارتقاء بالفكر والذوق. 
طبيعي أن يثير خبر زواج فنان أو فنانة فضول الناس ويدفعهم نحو الاطلاع على الصور ومعرفة بعض التفاصيل، والأمر ذاته بالنسبة لأخبار الانفصال، لكن ما هو غير طبيعي ولا مقبول، أن نصل بالإعلام الى مستوى رديء بهذا الشكل، تطغى عليه الفجاجة والوقاحة في السؤال عن خصوصيات الفنانين والدفع بزملاء المهنة للإدلاء بآرائهم حول تلك الأمور الشخصية، وكأنه من حق الإعلامي أو من ينسب لنفسه هذه الصفة أن يحشر نفسه في هذه التفاصيل، ويحشر الفنانين معه في تلك الزوايا الضيقة والأسئلة المعيبة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"