عادي

«سينما 2020» بين إغلاق الصالات و«الأفـلام الديـليـفري»

23:27 مساء
قراءة 5 دقائق
1
1
1

مارلين سلوم

عام يشارف على الرحيل. لم يكن كأي عام شهده العالم من قبل، ولن نتذكر أحداثه بعبارة «في مثل هذا اليوم»، إنما سنكرر «في مثل هذا العام»، لكثرة ما جاء مثقلاً بالهموم والغرائب، واتشح بالحزن والقلق. عام قلب أحوال السينما والفن عموماً، أسدلت فيه كل الستائر وأغلقت الصالات حول العالم، ولم تعد الحركة السينمائية والفنية إلا على استحياء، وبقي نصف المقاعد محجوزاً باسم «كوفيد-19»، بينما النصف الآخر لجمهور أراد أن يقاوم العزلة ويتحرر من القلق. في النصف الأول من 2020 لم يعرف الفن السابع سوى الخسائر، وتوقف الإنتاج وتعطلت مشاريع ضخمة ومهمة، لكن البعض وجد منفذاً سريعاً وبديلاً يرضي الجمهور ويشبع رغبة أهل المهنة في الاستمرارية وتحدي الظروف وتقديم أعمالهم بأي شكل، فانتشرت «المشاهدة المنزلية» وصارت الأفلام تصلنا بخدمة تشبه التوصيل للمنازل «ديليفري»، عبر المنصات. عام توالت فيه الصدمات والمفاجآت، وامتد فيه موكب الرحيل ليشمل نحو 60 فناناً عربياً؛ إنما بقي للأمل قدرته على اختراق الأماكن وترك بصمة من الجمال والتفاؤل.
هل هو عام الحزن أم عام التحدي؟ كلاهما صواب، فالبشرية دخلت خلال هذا العام في اختبار صعب لم تشهد مثله من قبل، مع سرعة انتشار وباء تطلب وقتاً كي يفهم العلماء طبيعته وكيفية تطوره ومحاصرته، وكان من الطبيعي أن تتوقف حركة التصوير وتغلق الاستوديوهات أبوابها ويتكبد المنتجون خسائر، ورغم ذلك وجدوا لأعمالهم منافذ أخرى يطلون من خلالها على الجمهور، فلعبت المنصات دوراً مهماً في التعويض عن إغلاق صالات السينما، قبل أن تتفكك قيود العزل تدريجياً، وتستعيد السينما حركتها ولو جزئياً، في إطار الالتزام بالإجراءات الاحترازية والاكتفاء بنصف عدد الحضور في القاعة.
التحدي دفع بالكثيرين إلى البحث عن حلول وبدائل، فعادت «سينما السيارات» إلى الانتشار، والتجربة ليست وليدة اليوم، بل هي أمريكية يسمونها «درايف-إن»، وتعود إلى العام 1933، لكنها جاءت خلال الجائحة كمنقذ للصناعة وللجمهور التواق إلى الخروج من ملل العزلة في البيت والتباعد وعدم القدرة على زيارة حتى الأهل، وهروبه أيضاً من التفكير طوال الوقت في الوباء والقلق والخوف من هذا الفيروس الخفي. وعادت سينما السيارات لتجد رواجاً عربياً في منتصف شهر مايو/ أيار الماضي، بينما لم تعد الحياة إلى صالات السينما المغلقة عالمياً سوى في شهر يونيو/ حزيران لكنها ما زالت «غير كاملة العدد».قرار تخفيض عدد الجمهور في الصالات إلى النصف مر بمرحلتين، فقد كان الخيار الأول أمام صناع السينما لمواجهة انتشار الوباء، وقد بدأت به أمريكا قبل أن يستشرس الوباء ويباغت الكرة الأرضية في سرعة انتشاره وإصابته أعداداً هائلة من البشر، ما استوجب قرارات حاسمة بالإغلاق التام لدور العرض في مارس/ آذار. ثم استعادت الدول تدريجياً نشاطها وفتحت أبواب الصالات أمام الجمهور في يونيو/ حزيران بنسبة إشغال 25% فقط، ثم رفعت النسبة إلى 50%.
يمكن أن نطلق على 2020 عام الخسائر في الصناعة التي لا تعتبر ترفيهية فقط، بل أحد الرموز الثقافية واللغة الجامعة للبشر بمختلف جنسياتهم وأعراقهم، وهي المحرض على الإبداع وحياكة الحكايات والصور بخيوط الواقع والخيال. فلا الأفلام حققت الإيرادات المرجوة منها في الصالات، ولا عاد لشباك التذاكر نفس الدور المؤثر على قائمة اختيار الأفضل والأكثر مشاهدة ونجاحاً وفق الإيرادات والتنافس في بورصة الأفلام الأسبوعية؛ كثير من الأفلام التي كانت مدرجة على قائمة التصوير خلال العام تم إلغاؤها، وأفلام فضل منتجوها عرضها إما عبر مواقع ومنصات فقط دون اللجوء إلى دور العرض، وإما تكون الانطلاقة من الصالات لكنها تشبه مرور عابر السبيل الذي ينتقل سريعاً إلى العروض المنزلية ليكون متوفراً في كل بيت. الجائحة جعلت الهدف الأول لصناع الأفلام هو الوصول إلى الناس لا إلى شباك التذاكر، وأعاد الجمهور إلى متعته الأولى وهدفه الحقيقي من المشاهدة، وهي الاستمتاع بالفن والإبداع والتركيز في المضمون.
مجازفة وتحدي الظروف
من مظاهر هذا العام، انتشار المنصات، ولعل أبرزها «نتفليكس» التي وضعت ثقلها في التركيز على إنتاجها الخاص، وتقديم أفلام ترضي كل الشعوب وتحاكي مختلف الثقافات. إنتاج المنصات يضاهي أحياناً الإنتاج السينمائي، و«نتفليكس» تنافس بقوة وتقدم أعمالاً تحدث ضجة وتغري الجمهور للمتابعة. بعض التجارب لاقى نجاحاً كبيراً، خصوصاً أن الأفلام العربية التي أنتجتها وعرضتها المنصة تنوعت بين الجيدة والأقل جودة، ولعل أبرزها فيلم «الموصل» وكذلك الفيلم البريطاني «إينولا هولمز».
وإذا كانت المنصات قد وجدت لنفسها مكاناً في المقدمة في ظل الظروف التي حكمت على دور العرض بالتراجع، فإن المهرجانات السينمائية عانت الأمرين، ولم تستقر كلها على قرار موحد، بل لجأ بعضها إلى تأجيل دورته، والبعض الآخر استعان ب «الأونلاين» كي ينعقد ويمارس نشاطه عن بُعد إنما بلا حيوية وبهجة. والطرف الثالث فضل المجازفة وتحدي الظروف وفتح أبوابه أمام عشاق السينما وصناعها، كما فعل «مهرجان الجونة السينمائي الدولي»، ومن بعده «القاهرة السينمائي الدولي» اللذين عقدا بنجاح في مصر، وحالياً لايزال مهرجان قرطاج السينمائي منعقداً في تونس. على عكس مهرجان «تورنتو السينمائي الدولي» الذي اكتفى بعقد دورته «عن بُعد». في المقابل تحدت فينيسيا أبشع ظرف واجهتها بتاريخها، وأقامت مهرجانها السينمائي بدورته ال 77 باعثة الأمل في نفوس الناس من خلال السينما والفن السابع. وبينما تراجع مهرجان «كان» الذي يعتبر من أهم المهرجانات العالمية، وفضل الغياب هذا العام، عقد «سان سيباستيان» دورته ال 68 بنجاح. وبدوره قرر مهرجان «صاندانس» السينمائي ألا يغيب، لكنه هو الآخر سيعقد دورته الجديدة في 28 يناير/ كانون الثاني المقبل «افتراضياً»، لكنه يتميز بأنه أول مهرجان يعرض أفلاماً تتناول جائحة «كورونا»، أو تم تصويرها تحت وطأة هذه الظروف الصعبة، وتتناول الأزمة الصحية الكبرى التي يمر بها العالم.
 ترك بصمة
لا نكون من المتشائمين إذا أطلقنا على 2020 عام الحزن والرحيل، فلم نر عاماً عصفت فيه رياح الموت بهذه القوة لتأخذ نحو 60 فناناً من مختلف الدول العربية، وحين نستعيد الأحداث يوماً بيوم، نفاجأ بأن ذاكرتنا كادت تنسى أن كل هؤلاء رحلوا في عام واحد، ولا مجال لذكر كل الأسماء بل نتوقف عند أبرز من عرفهم الجمهور العربي وأحب أعمالهم وحضورهم، ومنهم من ترك بصمة لا يمكن أن تمحى من ذاكرة السينما، نذكر بعضهم وفق تسلسل رحيلهم، ماجدة الصباحي، نادية لطفي، لينين الرملي، جورج سيدهم، إبراهيم نصر، حسن حسني، رجاء الجداوي التي أبكتنا برحيلها بسبب «كوفيد-19»، محمود رضا، سناء شافع، شويكار، المنتصر بالله، محمود ياسين.. لائحة طويلة تضم نجوماً من الصفين الأول والثاني ووجوهاً رافقتنا لسنوات طويلة وأسعدتنا بموهبتها وصدق أدائها. 
وبلا شك هناك الكثير من النجوم الغربيين الراحلين أيضاً وأبرزهم شون كونري.
أهم درس تعلمناه من عام 2020 وجائحة كورونا، ألا نتوقع شكل الغد كيف سيكون، وأن نستمر في التطلع إلى الأفضل ومواصلة التحدي والبحث عن أشكال جديدة ومختلفة كي نتحايل على الظروف، وكي يستمر الفن في التعبير عن أفكارنا وأحوالنا وآمالنا.

[email protected]
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"