عادي

نجاسة الكلب

23:22 مساء
قراءة 3 دقائق
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

قال أحدهم: إن والدي عنده كلب في بيته، ونحن نتضايق منه إذا ذهبنا نسلم عليه، مخافة أن يصيبنا شيء من نجاسته، فهل نأثم إذا لم نذهب إلى الوالدين؟
قلت له: وجود الكلب في بيت الوالد طالما لا يؤذيكم مباشرة بالعض، فإنه لا يعد سبباً لجواز قطع الرحم التي أمرنا بوصلها، ولا سيما الوالدين.
ونجاسة الكلب مسألة مختلف فيها عند الفقهاء الأربعة أعني أصحاب المذاهب الأربعة المعتبرة، فالأحناف يرون أن الكلب ليس نجس العين، ولكن لو أصابك شيء من سؤره أو لعابه أو رطوبته، فهو (أي ذلك المكان) نجس ويجب عليك إزالة نجاسته بالغسل وبالغسل بالتراب كما ورد في الحديث.
ويقول الإمام مالك: الكلب طاهر العين، لأن الأصل في الأشياء الطهارة، فكل حي طاهر ولو كان كلباً، وكذلك عرقه ودمعه ومخاطه ولعابه طاهر، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الكلب نجس العين.
هذا بشأن عين الكلب أي جسمه، ثم اختلف الفقهاء فيما لو شرب الكلب من الإناء، فهل ذلك الماء ينجس؟ وقد ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن سؤر الكلب في الإناء نجس، يقول العلامة ابن عبد البر: أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين يقولون بنجاسة ما في الإناء إذا شرب منه الكلب، للحديث الوارد: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله بالماء سبع مرات، أولاهن بالتراب»، (انظر التمهيد ج18 ص269)، ثم ذكر أن الإمام مالك يرى أن سؤر الكلب طاهر، ويغسل الإناء من ولوغه سبع مرات تعبداً من باب الاستحباب وليس لأنه نجس.
ولو رجعنا إلى أبي حنيفة لوجدنا أنه يرى أن سؤر الكلب نجس، لكنه لم يحدد عدد الغسلات، وأيد هذا الرأي سفيان الثوري والليث بن سعد، فإذا أصاب الكلب بلعابه مثلاً الإناء أو الصيد، فإن ذلك المكان يغسل حتى يظن بأن النجاسة قد زالت ولا عبرة بالعدد، ويرى الإمامان الشافعي وابن حنبل أن ولوغ الكلب في الإناء يوجب غسله سبع مرات أولاهن بالتراب عملاً بظاهر الحديث.
والشافعي يرى أن كلاً من الكلب والخنزير نجس عين حياً أو ميتاً (انظر التمهيد لابن عبد البر ج18 ص269).
 ويقول ابن عثيمين من فقهاء الحنابلة المعاصرين: ليس بالضرورة أن يكون المزيل تراباً، إذ قد يكون التراب ضاراً، لذا لا مانع أن يكون البديل صابوناً مثلاً لأنه يأخذ حكمه، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله متفق مع الأئمة الثلاثة أن الكلب نجس العين، وأن الإناء الذي يشرب منه الكلب يغسل وجوباً حتى يطهر، لكن التطهير عنده ليس بالتراب بالضرورة، بل يجوز بأي مزيل يحل محله.
ونفهم من هذا أن الكثير من الأشياء التي وردت في أحاديث الأحكام لم تقصد ذاتها، والقاعدة الفقهية العظيمة تقول: الغاية تبرر الوسيلة، فعلى سبيل المثال يجوز تطهير الفم بالفرشاة والمعجون بدلاً عن المسواك، لأن القصد من التسوك إزالة الرائحة الكريهة عن الفم، والرسول صلى الله عليه وسلم شرع السواك لأنه كان أفضل الموجودات في عهده.
إذاً تقاس على مسألة السواك مسألة إزالة نجاسة لعاب الكلب إن رجحنا نجاسته، لأن قصد الشريعة الإزالة وليس الإزالة بعود شجر السواك فقط لا بغيره، وإلا نكون قد ضيعنا على الناس فرصة الاستفادة من سماحة الإسلام ويسر الدين، والقاعدة الفقهية تقول: «لا تضيق وسعاً».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"