عادي

المتسوق السري..صداع يؤرق المنافذ والتجار

01:22 صباحا
قراءة 6 دقائق
1

تحقيق: يمامة بدوان

يلعب المستهلك الواعي دوراً كبيراً ومحورياً في كشف التلاعب الذي قد يحدث في الأسواق، وجعلها خالية من التضليل والغش، بما يعزز البيئة التنافسية، ويشجع على الممارسات الصحيحة التي تحافظ على صحة المجتمع، من أجل أن تقدم لهم الخدمة والمنتج بصورة سليمة وبسعر مناسب، لكن هذه الفئة معرضة للاصطدام أحياناً بعقبات قد تحد من دورهم، أو تجعلهم صداعاً يؤرق المنافذ والتجار.
وتلجأ هذه الفئة إلى القيام بدور المتسوق السري، من خلال التفتيش قبل الشراء، ورصد المخالفات إن وجدت، سواء تلك التي تتعلق بطريقة عرض السلع أو الأسعار، فيما يعمد البعض إلى نشر المقاطع المصورة عبر منصات التواصل الاجتماعي، فيقع في المحظور لمخالفة القانون، حتى وإن كانت معلومته حقيقية.
«الخليج» رصدت حالة من التعاضد بين صفوف المستهلكين، الذين أكدوا أن دورهم لا يقتصر على التسوق فقط، إنما يتوجب عليهم المساهمة في ضبط السوق، وتقديم المخالفين للعدالة، من خلال توصيل الشكوى للجهات المعنية بشكل مباشر، إلا أن بعضهم طالب بأحقية الجميع أن يصبحوا متسوقين سريين ضمن ضوابط، لما في الأمر من ترسيخ لثقافة التفتيش والردع في آن واحد.
في المقابل، أوضح عدد من مسؤولي البيع وتجارة التجزئة أن مفهوم المتسوق السري، ليست كما يعتقدها المجتمع، خاصة أن فئة منهم يبثون مقاطع مصورة قبل تحري الدقة، فيجعلهم مساهمين في نشر الشائعات، والتي تترتب عليها لاحقاً مساءلة قضائية بحسب القانون بالدولة.

قال هشام العناتي، إن المتسوق السري أو المستهلك الذي يعي حقوقه وواجباته تجاه المجتمع الذي يعيش فيه بكل أمان، يعد جداراً عازلاً للغش التجاري، وهو ما يدفع لمطالبة الجهات المعنية إلى تكثيف حملاتها التثقيفية الميدانية والمؤسسية، والتي ستعود بالنفع العام على الجميع، وتجعل التسوق آمنا، من دون البحث عن الأماكن الأقل سعراً.
وأضاف أن المتسوق السري لا يعد عبئاً أو مشكلة تواجه منافذ البيع أو التجار، في حال القيام بدوره بأمانة، وفي حال التزام البائعين بالمواصفات وتعليمات الجهات الرسمية، بل هو أقرب إلى الحارس لحقوق المستهلكين من جهة، والعامل الذي يعزز الثقة بالبائع من جهة أخرى.
تعزيز الثقة
بدوره، أوضح علاء نهاد، أن وجود المتسوق السري، يصب في صالح المستهلكين بالدرجة الأولى، كونه يسهم في رصد المنافذ التجارية التي ترفع أسعارها، ما يؤدي إلى ضبط السوق، ويزيد الثقة بين البائع والمشتري، إلا أن بعض المتسوقين السريين يبالغون في ردة أفعالهم، من دون تبين الحقيقة، خاصة تجاه العروض الترويجية، والتي يرتفع الإقبال عليها، ما يجعل منفذ البيع تحت المجهر.
وقال إن المستهلك الواعي لحقوقه يؤرق منافذ البيع، خاصة وأن البيع عبر «أون لاين» أصبح متاحاً للجميع، ويمكن لهم مقارنة أسعار المنتجات عبر كبسة زر واحدة، وهو بذلك يستطيع الاطلاع على السلعة الأقل سعراً، من دون أي عناء.
خط الدفاع
كذلك الحال بالنسبة لزهير محمد، الذي أوضح أن واجب المستهلك أن يكون في المقام الأول هو المفتش الأول، أو خط الدفاع في الحد من التلاعب بالأسعار والغش التجاري، وذلك على الرغم من أنه لا يخفى على الجميع دور الجهات الرسمية في كشف التلاعبات في الأسواق، لكن المسؤولية الأكبر تقع على المستهلك، وبصفته هو من يقوم بالتسوق الدائم من منافذ بيع، ويستطيع المقارنة بين الأسعار على مدى أيام متتالية، إلا أنه لا داع للتسرع في نشر أي معلومة حول تفاوت الأسعار من دون الاستفسار عن السبب من المصدر ذاته.
وذكر أن هناك عدداً من السلوكيات التي يتخذها أثناء التسوق، نتيجة وعيه بذلك، منها النظر لتغليف المنتج، وقراءة تاريخ الإنتاج والانتهاء، كذلك معرفة مكونات السلعة، خاصة المعلبة منها، ومصدرها، خاصة المستوردة منها، حيث من الأهمية الاطلاع على تفاصيل أي منتج قبل شرائه، وعدم الاكتفاء بالسعر فقط، لأن الأقل سعراً قد يكون أكثر ضرراً على الصحة.
كيفية التعامل
من جهتها، أكدت ريما هاني، أن على المتسوقين أن تكون لديهم ثقافتان هما الثقافة القانونية والثقافة الصحية والاستهلاكية، فمن خلال معرفتهم للقوانين، يمكن لهم التمييز بين ما يُعد تصرفاً مخالفاً وما لا يعد كذلك، كما لا بد لهم من أن يدركوا كيفية التعامل الصحيح مع المخالفات التي يجدونها، وليس الاعتماد على ردات الفعل وسرعة النشر على منصات التواصل الإجتماعي، كي لا يتحولوا إلى متهمين بنشر الإشاعات.
وأشارت إلى أن المستهلك المثالي هو من يعرف حقوقه وواجباته في آن واحد، حيث أنه قد يصبح مصدر إزعاج لمنافذ البيع، لكن بطريقة سليمة، تمنعه من الوقوع بخطا قد يحوله لمتهم بحسب القانون.
وأضافت أنه من إيجابيات تفتيش السلع قبل الشراء الحد من ظاهرة التلاعب بالأسعار والغش التجاري وتاريخ الانتهاء والصنع، وهو ما يسهم في تجنب الوقوع في أي ضرر جراء ذلك التلاعب، داعية أفراد المجتمع إلى الإبلاغ عن جميع حالات الغش والتلاعب، للإسهام في وجود بيئة تجارية خالية من مخاطر هذه الآفة التي تعود سلباً في إنهاك صحة المستهلكين.
فوائد وأضرار
في المقابل، أوضح مسؤولو البيع وخبراء سوق التجزئة، أن للمستهلك السري أو المثالي، فوائد وأضرار في آن واحد، حيث أكد محمد يوسف الخاجة، مدير عام جمعية الإمارات التعاونية في دبي، أن 10% من إجمالي مستهلكي الجمعية هم من فئة المتسوق السري، وهم في العادة يتواجدون في كل المنافذ، لهم فوائد وأضرار في ذات الوقت، ومن فوائدهم تسهيل الأمر على مسؤولي السوق في مقارنة الأسعار بين منفذ وآخر، والتحقق من توافر المنتجات وصلاحية انتهائها، إلا أن أضرارهم تفوق ذلك، حيث أنهم قد يكونون مصدراً لنشر الشائعات من دون التحقق من المعلومات، خاصة أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مصدراً لبث الأخبار المغلوطة.
   وتابع إنه يمكن لهذه الفئة التحقق من المعلومة قبل نشرها وتعميمها بين العامة، من خلال سؤال أي موظف في المنفذ أو الجهة التعاونية، تجنبا للوقوع في المحظور ونشر الإشاعة، التي لن تعود بالفائدة على أي جهة، وبذلك يكون «المؤثر» قد كسب مصداقية الآخرين من أفراد المجتمع، وتجنب الملاحقة القانونية. وأشار إلى أن بعض المؤثرين يترصدون الأخطاء في منافذ البيع، ويتسرعون في الحكم، من دون الاستفسار، كأنهم كسبوا الجائزة الكبرى لدى نشرهم لأي مقطع مصور، حيث أنه يمكن للإدارة أن تلاحقهم قانونياً إذا كان الضرر كبيراً وأساء لسمعة المنفذ، وهم بذلك يفقدون هامشاً واسعاً من ثقة المتابعين لهم.
وأوضح أن البعض منهم يلجأ للمقارنة بين أسعار منافذ بيع في إمارتين مختلفتين، متناسين أن الكلفة التشغيلية لمكان البيع في كل إمارة يختلف عن الآخر، حيث يعتقدون أنهم يقدمون خدمة للمستهلكين بتعريفهم أي الأماكن أقل سعراً، ما يخلق أزمة ثقة بين البائع والمورد، الذي يظن أن المنفذ يبيع بهامش ربح أعلى.
وقال الخاجة إن حجم التنافسية في السوق الإماراتي كبيرة جداً، ما يأتي في صالح المستهلكين، من حيث عدد العروض الترويجية وتوافر المنتجات، إلا أنه يجب التحقق من أي معلومة يتم بثها على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون الأخذ بتعليقات المؤثرين، الذين قد يتسببون بحدوث بلبلة في المجتمع دون أن تمت للواقع بأي صلة.
قدوة للآخرين
أما إبراهيم البحر، خبير في تجارة التجزئة، فقال: إن المستهلك الواعي لحقوقه يجب أن يكون قدوة للآخرين وليس مصدر قلق، حيث على التجار ومنافذ البيع التفكير بإيجابية من خلال تشجيع المتسوقين على إدراك حقوقهم قبل الشراء، لما للأمر من فائدة تعود عليهم بالدرجة الأولى، تتمثل في كسب الثقة، التي من دونها ستتكدس المنتجات في مخازنهم، خاصة مع شدة التنافسية في السوق وكثرة المعروضات. وأضاف أنه كان سابقاً اقترح على الجهات المعنية توفير بيانات متسوقيها السريين للعامة، لسهولة تواصل المستهلكين معهم على مدار الساعة، من أجل أن يصبحوا جميعهم متسوقين سريين، وليس تقديم شكوى عبر رقم موحد، يتم التحرك للموقع في اليوم التالي، كما يجري بالغالب.
وحول نشر مقاطع مصورة عبر منصات التواصل الإجتماعي لعروض وهمية أو أسعار غير مطابقة للمعلن عنه، أوضح أن ذلك قد يتسبب في مشكلة قانونية بين المنفذ ومروج المقطع، لوجود قانون صارم بالدولة يمنع التشهير، إلا أنه يتوجب على مسؤولي المنافذ قطع التعامل مع الموردين الذين يمارسون الاستغلال من أجل هامش ربح على حساب المستهلكين.
 التشهير لا يجوز قانونياً 
أكد المحامي إبراهيم الحوسني، أن دور المتسوق السري ليس نشر المقاطع المصورة أو مخالفات منافذ البيع، حتى لو كانت حقيقية، بل توصيلها للجهات المعنية لتقوم بدورها، سواء فرض غرامة يحددها القانون أو إغلاق المنشأة، حيث أن المستهلك عند بثه لأي مقطع مصور يعتقد من طرفه أن الأمر فيه مخالفة أو غش تجاري، إلا أنه بعد التحقيق يتبين عكس ذلك، لأن التاجر أو المنفذ من حقه أن يحدد السعر وطريقة عرض السلع.وقال إن المستهلك أحياناً من باب دقته الزائدة وحرصه على أن تكون أماكن البيع متشابهة في عرضها للسلع وأسعارها، ينشر معلومات خاطئة، حيث يظهر بعد التحري أن محل البيع لم يخالف القوانين، ما يترتب توجيه اتهام للمستهلك بالتشهير والإساءة من دون وجه حق، وقد يطالب المتضرر بالتعويض.وأضاف أن التشهير لا يجوز قانونياً إلا بحكم قضائي، لأنه يعد عقوبة، وبالتالي لا يمكن للمستهلك أن ينفذ القانون حسب مزاجه، فيصبح مصدراً للإزعاج، بل عليه سلوك القنوات الرسمية من خلال تبليغ الجهات المعنية، التي بدورها تتخذ الإجراء المناسب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"