من المحن منح

00:47 صباحا
قراءة دقيقتين

ليس هناك إنسان على وجه البسيطة دون عيوب، فلا كمال لمخلوق في هذا العالم رغم اتساعه، إنما الكمال لله وحده، وعلى الرغم من ارتباط مفهوم العيب في أذهاننا بالفشل والإخفاق ونقصان الشيء، فإن ما نعدّه إخفاقاً قد يكون في بعض الحالات نعمة ومنحة تطرق بابنا بطريقة غير تقليدية.
تروي قصة من التراث الصيني حكاية سيدة تعوَّدت الخروج من منزلها كل صباح متجهة صوب النهر، وفي يديها وعاءان من الماء، ما إن تصل إلى وجهتها حتى تقوم بملئهما ثم العودة إلى المنزل، غير أن أحدهما كان الماء يتسرَّب منه على امتداد الطريق حتى تصل بيتها ولم يبقَ فيه ماء إلَّا ما يقارب النصف أو أقل. وبعد مرور عامين، بلغ الخجل أشدَّه بالوعاء المثقوب، في حين كان الوعاء السليم مزهوَّاً بنفسه يتباهى كيف أنه ينجز مهامه على أكمل وجه، ممَّا جعل الوعاء المثقوب يشعر بالغيرة والتضايق فسارع يشكو حاله إلى السيدة، ويبلغها بما يشعر به من أسف وعار؛ لتسرّب الماء منه، إلَّا أن السيدة ابتسمت وقالت: ألمْ تلحظ تلك الزهور والورود التي زرعت حبوبها بنفسي على جنبات الطريق، وكنت كل يوم أسقيها أثناء عودتي من المياه المتسرّبة منك، طوال العامين الماضيين كنت أقطف هذه الزهور لأزيّن بها منزلي وطاولة طعامي، ولولا تسريبك للماء لما تمكَّنت هذه الزهور والورود الجميلة من النمو، ولما كنت أشاهدها كل صباح تغمر منزلي بألوانها الزاهية ورائحتها العطرة.
من الطبيعي أن ننظر إلى أي عقبة تعترض طريقنا في الحياة على أنها حظ عاثر وإخفاق مُنينا به، خصوصاً إن لم نستطع تجاوزها، فنبدأ في لوم النفس ونشعر بمشاعر سيئة تجاه ذواتنا، لكننا أحياناً كثيرة لا ندري أن خلف بعض العيوب عطايا جميلة، فلو أننا لسنا مجبولين على النسيان بوصفنا بشراً لكانت عيادات الأطباء النفسانيين ممتلئة حتى آخرها من كل حدب وصوب، ولكان أقل موقف سيّئ أو حادث مؤلم نتعرَّض له لا يغيب عن أذهاننا لحظة واحدة، فنعيش في أسىً لا ينتهي، ولو كنا لا نستطيع نسيان أي كلمة أو تصرف سلبي صدر عن شخص نحبّه مهما كان صغيراً لسادت الكراهية بيننا جميعاً، وفقدنا معها قدرتنا على التسامح والحب.
والعبرة هي ألّا نيأس أبداً وأن ننظر إلى العيوب والمحن على أنها منح تحمل في طيَّاتها أحياناً كثيرة نعماً عظيمة، يقول والت ديزني: «كل الشدائد والعقبات التي واجهتُها في حياتي زادت من عزيمتي، قد لا تدرك هذا وقتما تلاقيك المحنة، ولكن ركلة على أسنانك قد تكون أفضل ما يحصل لك في العالم».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"