الإبريق العجيب

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين

قبل سنين طويلة، اتجه طبيب ريفي عجوز إلى المدينة يقود عربة يجرها حصان، ولما وصل دخل إلى محل يُعنى ببيع الأدوية، وبدأ يساوم البائع الشاب لأكثر من ساعة كاملة، ثم خرج الطبيب إلى عربته ليحضر إبريقاً كبير الحجم، وعصا خشبية طويلة مخصصة لتحريك محتويات الإبريق، ووضعهما أمام البائع.
تفحّص البائع الإبريق، وأخرج من جيبه لفافة من النقود أعطاها للطبيب، كانت تلك اللفافة تتضمن كل مدخرات البائع البالغة 500 دولار، في وقت كان فيه الدولار الواحد يعادل عشرات الدولارات في أيامنا هذه!
كل ذلك مقابل إبريق وعصا وقصاصة صغيرة من الورق سلمها الطبيب للبائع الشاب، وكان مكتوباً عليها وصفة سرية، تبيّن أنها تساوي ثروة هائلة، لكن ليس للطبيب العجوز الذي كان سعيداً للغاية ببيع إبريقه مقابل 500 دولار، يمكنه بفضلها تسديد كل ديونه، والحصول على راحة البال.
أما البائع فقد كان يجازف بأمواله في رهان كبير مقابل قصاصة ورق صغيرة وإبريق عتيق، ولم يكن يُدرك وقتها أن ذلك الإبريق أشبه بمصباح علاء الدين السحري، على الرغم من أنه شعر بأن خلف تلك الوصفة والإبريق خيراً كثيراً.
وبعد أن قام البائع الذكي بدمج المكونات المكتوبة على القصاصة، أنتج ذلك مكوناً بات من أشهر المشروبات التي حققت ملايين الدولارات لأصحابها حتى يومنا هذا. 
ذلك الإبريق اليوم بات أحد أكبر مستهلكي السكر في العالم، ويوفر فرص عمل دائمة للآلاف من النساء والرجال الذين يعملون في زراعة قصب السكر وتكرير السكر وتسويقه، وآخرين يعملون في مجال صناعة الزجاج.
كما يوفر الإبريق العجيب حتى اليوم فرص عمل للمئات من المحررين والكتاب وخبراء الإعلان في جميع أصقاع الدنيا، ويجلب الشهرة والثروة لمئات الفنانين الذين ابتدعوا صوراً مذهلة تصف المنتج.
واستمر صاحب الإبريق في التقدم خلال ثلاثينيات القرن العشرين، حيث كانت آلاف المصارف والعقارات التجارية والمصانع تغلق بسبب الكساد الاقتصادي، موفراً فرص عمل متواصلة لأعداد ضخمة من الرجال والنساء حول العالم.
أما محتوى الإبريق الذي حقق كل تلك الإنجازات، فلا بد أنك عزيزي القارئ استطعت أن تستشفّ ما هو؛ إنه المشروب الأكثر شهرة في العالم «كوكا كولا».
فأينما كنت تحيا، وكائناً من كنت، ومهما كان العمل الذي تقوم به، تذكر في كل مرة تشاهد فيها عبارة «كوكا كولا»، أن تلك الإمبراطورية الضخمة من الثراء والنفوذ قد نمت وتوسعت من فكرة واحدة، وأن ذلك المكون السري الذي خلطه البائع الشاب آسا كاندلر، كان أشبه بالخيال؛ لذا عليك أن تُدرك أن أية فكرة تبتكرها، يمكن أن تقلب حياتك رأساً على عقب، فالأفكار ليست مجرد غبار متناثر في الهواء؛ بل هي أشياء لها قيمة حقيقية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"