التحليق إلى عالم آخر

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

هو شهر الاستكشاف والسفر بلا جواز، شهر التحليق على متن الكلمات إلى حيث يسكن الحلم وينتعش الخيال وتتغذى الروح. لا تعدّ أيامه ولا تقِس المسافات التي يحملك إليها بالأمتار، ولا تخشَ معه عدوى ولا وباء ولا كمامات. إنه شهر القراءة الذي ننتظره كل عام، وتكبر حاجتنا إليه الآن أكثر من أي عام، كي نفك طوق الحجر والعزل، ونرى الحياة كما كنا نعهدها، ونتشارك مع الآخرين حكاياتهم وأفكارهم، وتطير إلينا كلماتهم بلا رذاذ «قد يحمل وباء»!.
شهر القراءة في الإمارات، هو الموعد المقدس الذي ينتظره كل من يعيش على أرض هذه الدولة التي تحترم الكلمة والفكر، وتعلي من شأن الثقافة، وتدعم تغذية العقول وتبادل الثقافات، لدرجة أنها تُضيف إلى رزنامة كل إنسان وقتاً للقراءة، تلفته إليه وتنبهه، تخلق المناسبات والفعاليات والشعارات؛ كي تجعل الكتاب جزءاً أساسياً من حياته.
لم تكن مناسبة مؤقتة حين قرر مجلس الوزراء جعل مارس الذي ارتبط بأذهاننا بالربيع والأم، «شهراً وطنياً للقراءة»، تتشارك فيه كل المؤسسات والمدارس والأفراد في خلق الأنشطة المحفزة على القراءة. وشعار هذا العام لافت، «أسرتي تقرأ»، والأهم من الشعار هو المضمون؛ إذ لا تكتفي الحملة بتشجيع العائلات على القراءة، بل تسعى إلى حث الآباء على القراءة لأبنائهم، مع انطلاق حملات وبرامج تثقيفية للآباء توضح لهم أهمية زراعة حب الكتاب والقراءة في نفوس الصغار، وجعله طقساً مقدساً داخل البيت.
العلاقة بين الكلمة والطفل، ليست علاقة بصرية بقدر ما هي رباط يتم توثيقه في الطفولة المبكرة، فيصير الكتاب سواء كان ورقياً أم إلكترونياً رفيقاً محبباً، ودوداً، يشغل بال الطفل ووقته، يوسع مداركه وخياله، ينشط الذكاء والذاكرة.. طبيباً لكل طفل ولكل نفس يعالجها من كل أمراضها وينزع عنها القلق والاضطرابات.
وهناك علاقة أخرى مقدسة تنشأ من فعل القراءة، وهي علاقة الأب والأم مع طفلهما والتي تكبر وتتغذى هي أيضاً خلال قراءتهما كتاباً له، يعيشان معه لحظات من المتعة لا تعوّض، يحلقون جميعاً إلى عالم آخر، سفر مجاني إلى أرض بعيدة، غريبة، يلونها الطفل بخياله كيفما شاء، يرسم وجوه شخصياتها مثلما يحبها أن تكون.. وتلك الحالة والعادات التي يمارسها الطفل مع والديه لا تمحوها الأيام بل تعلق في الذاكرة، وتُسهم في تربية الأبناء، شرط أن نجيد اختيار ما يقرؤون أو ما نقرأ لهم وأي طريق نرشدهم إليه عبر الكلمات والحكايات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"