الحوار الزوبعة واهتزاز القصر

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

إنها الزوبعة التي قلبت القصر، وأعادت إحياء تفاصيل أوجاع «أميرة القلوب» ديانا. لم تكن المقابلة التي أجرتها المذيعة الأشهر في العالم أوبرا وينفري، قبل أيام، مجرد «سبق صحفي»، وحوار استثنائي مع ثنائي تخلى عن حياة القصور، وكل الألقاب والحصانة والمميزات التي كان ينعم بها داخل العائلة الملكية في بريطانيا، هاري وميجان ماركل، بقدر ما هي زوبعة عصفت بالأسرة الملكية، وهزت كل من في القصر، مثيرة للشكوك والمشاعر المتناقضة بين مؤيد مصدق، ومندّد مكذب.
قيل إن أوبرا، وهي منتجة الحلقة التلفزيونية تلك، فازت بصفقة من خلال هذا الحوار، حيث منحت حق إذاعتها لقناة «سي بي إس» الأمريكية لقاء 9 ملايين دولار، لكنها بلا شك، فازت بما هو أكثر من المبلغ المادي، إذ أثبتت مرة جديدة أنها ما زالت ملكة على عرش الحوارات التلفزيونية، تجيد تقديم مادة مختلفة بضيوف مميزين، وتدير اللقاء بأسلوب لا يجيده إلا ملوك الحوار، وتحقق نسب مشاهدات بالملايين حول العالم، وتصير هي والحوار ومضمونه والضيفان مادة غنية دسمة يحكي عنها الإعلام والناس في كل مكان، وتحث القصر على إصدار بيان يأسف فيه لما تعرض له الزوجان هاري وميجان، ويتعهد بالتحقيق في «مزاعم العنصرية» التي لقيتها ميجان وطفلها.
لا شيء سيحسم الجدل القائم حول التعاطف مع الأمير وزوجته، وتصديق كل كلمة وردت في كلامهما عن السنوات القليلة التي عاشاها منذ زواجهما في كنف العائلة الملكية، واتهامهما بالكذب والتجني على الأسرة فرداً فرداً، وحتى المساعدين والعاملين داخل هذه «المؤسسة» كما يسمونها، لكن رد «قصر باكنجهام» الذي جاء بعد طلب من الملكة إليزابيث التروي، ومناقشتها الأمر مع ابنها تشارلز، وحفيدها ويليام، ومفاده أن «الأسرة بأكملها حزينة لمعرفة مدى صعوبة السنوات القليلة الماضية التي عاشها هاري وميجان»، وأن «مزاعم العنصرية مثيرة للقلق.. ورغم أن بعض الذكريات قد تتباين، فإنها ستؤخذ على محمل الجد وستتناولها الأسرة بالتفصيل»، يؤكد أن الحوار وضع الإصبع على جرح حقيقي موجود، وأن معاناة ديانا كادت تتكرر لولا جرأة هاري، وقراره الهروب من «جنة القصر» إلى الحياة الطبيعية، خصوصاً بعد علمه بأن ابنه سيحرم من لقب «أمير» لمجرد أن أمه سمراء.
من شاهد مسلسل «ذا كراون»، أو «التاج»، وفيلم «ديانا بكلماتها الخاصة» الذي تحدثت فيه بنفسها عن حياتها الشخصية وزواجها وطلاقها، يصدق ما يقال اليوم عن معاناة ماركل، وجمود العواطف، وعدم تجاوب المساعدين والعاملين في قسم الموارد البشرية في القصر مع نداء الاستغاثة الذي أطلقته ميجان حين وقعت أسيرة الاكتئاب والإحساس بالوحدة، وبأنها منبوذة، ورفض طلبها للحصول على مساعدة من اختصاصيين «من أجل سمعة العائلة».
إنه الحوار الزوبعة، والدرس المثالي حول قدرة الإعلامي الناجح، والمنتج المحترف، والمسلسل المتقن، على هز العروش واختراق أسوار قصر باكنجهام، وحث الملكة على المشاهدة والمتابعة بنفسها، وصناعة الحدث بحرفية عالية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"