عقدة احتكار التسوية في سوريا

00:27 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

عشر سنوات مضت على تفجر الأزمة فى سوريا منذ 15 مارس/ آذار عام 2011 دون أن يلوح أفق حقيقي للحل. المبعوث الأممي إلى سوريا جير بيدرسن، الذي وصف الأزمة بمرارة، بأنها «الحرب اللا منتهية»، كشف عن أن سبب الإخفاق الحقيقي طيلة كل تلك السنوات يرجع إلى اعتقاد كل طرف من الأطراف المعنية بأنه قادر على احتكار الحل. الجديد في الحديث الذي نشره يوم الاثنين الفائت أضحى يرى آفاقاً لإدراك مختلف جوانب الأزمة، مفاده أن كل تلك الأطراف (الحكومة السورية، المعارضة السورية، مجموعة أستانة «روسيا وإيران وتركيا»، وأمريكا) لم تعد قادرة وحدها على احتكار الحل، وأنه لابد من نهاية تسوية متفاوض عليها.

 لم يستطع الموفد الأممي أن يتجاوز حدود هذا الإدراك بالعجز عند الجميع عن إنجاز حل حقيقي، ولم ينخرط في تكملة المعنى، أي الإجابة عن السؤال الأهم: هل هذه الأطراف، بعد هذا الإدراك، باتت مستعدة لتغيير موقفها وأن تلتقي مع الأطراف الأخرى في نقطة عند منتصف الطريق الذي يتحقق معه توازن المصالح والأهداف للجميع، وهل تضع نهاية لهذه الأزمة أم لا؟

 في اعتقادي أن كل الأطراف مازالت عند مواقفها؛ النظام السوري والمعارضة من ناحية، وروسيا وأمريكا من ناحية ثانية، وإيران وتركيا من ناحية ثالثة، ويمكننا إضافة الاتحاد الأوروبي كداعم للرؤية الأمريكية التي قد تبدو للبعض أنها مترددة عن اتخاذ مبادرة للحل في سوريا بالتقدم إلى منتصف الطريق نحو موسكو، ولكن الحقيقة أن هذا هو الموقف الأمريكي بدقة شديدة: عدم اكتراث بحل الأزمة السورية وجعلها ورقة استنزاف لروسيا في الشرق الأوسط وورقة إرباك لعلاقة كل من طهران وأنقرة، وإدامة أزمة النظام العربى المنقسم على نفسه بخصوص إعادة إدماج سوريا في النظام العربي.

 الواضح حتى الآن أن ما تظهره إدارة الرئيس جو بايدن من عدم تسرع أو عدم اكتراث بالدخول في أجواء الوصول إلى حل للأزمة السورية، ليس مجرد عدم اكتراث، لكنه جوهر السياسة الأمريكية التي يبدو أنها ستبقى ملتزمة بالسياسة التي بلورها جيمس جيفري المبعوث الأمريكي السابق للأزمة السورية من ناحية استمرار حالة «البقاء وعدم البقاء» في سوريا أو «الانسحاب واللا انسحاب» بالحفاظ على وجود رمزي عسكري أمريكي شرق الفرات ومنطقة التنف في ملتقى الحدود السورية – العراقية – الأردنية، ودعم الإدارة الذاتية الكردية كحليف إقليمى لإرباك الأطراف الأخرى، إلى جانب دعم الوجود التركي شمال غربي سوريا، ودعم الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، والأهم هو الإبقاء على سوريا «مستنقعاً» للسياسة الروسية، وتأكيداً لذلك أبلغت واشنطن حلفاءها في التحالف الدولي ضد «داعش» عزمها الإبقاء على قواتها العسكرية ل «مدة مفتوحة» في شمال شرق سوريا، كما دعا وزير الخارجية الأمريكى أنتوني بلينكن إلى عقد مؤتمر لوزراء خارجية التحالف في 30 من الشهر الجاري، في الوقت الذي تراجع فيه عن المشاركة في مؤتمر بروكسل الذي من المقرر أن يعقد في اليوم نفسه المخصص لدعم العملية السياسية في سوريا وتقديم معونات مالية. وجاء «البيان الخماسي» الصادر عن وزراء خارجية الولايات المتحدة وكل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا بمناسبة مرور عشر سنوات على الأزمة السورية الاثنين الماضي ليؤكد هذه المعاني.

 فقد كشف هذا البيان عن أنه «لا تسوية مع نظام الرئيس بشار الأسد» الذي اتهموه بارتكاب جرائم في حق الشعب السوري، ولا اعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة، ولا للمشاركة في فك الحصار الاقتصادي وتحمل مسؤولية إعادة الإعمار تحت عنوان «المعونات الإنسانية»، وأنه لا حل دون عملية سياسية حقيقية تنخرط فيها جميع القوى السياسية بما فيها جميع السوريين في الشتات والنازحين فى الداخل، «حتى تسمع كل الأصوات».

 على العكس من هذه السياسة تسعى موسكو جاهدة إلى «فك الحصار» عن النظام السوري والدفع قدماً بعملية «إعادة الإعمار» بإشراك أطراف إقليمية وأخرى دولية تملك القدرة على التمويل، وإعادة دمج سوريا في النظام العربى بالعودة إلى جامعة الدول العربية.

 جهود موسكو للتخفيف من وطأة الرفض الإسرائيلى للنظام السوري بالتعهد بعدم استخدام الأراضي السورية ضد إسرائيل تأتي ضمن سياق تأمين استمرارية النظام السوري وبقائه مقابل تحقيق إصلاحات دستورية، الأمر الذي تكشف بوضوح خلال الجولة الخليجية الأخيرة في الأسبوع الفائت لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف التي زار فيها أبو ظبي والرياض والدوحة، حيث كانت الأزمة السورية ومقترحات موسكو للحل على رأس أجندة تلك الزيارة، حيث أبدى لافروف حرصه على تحفيز الدول الخليجية لتقديم معونات إنسانية تمتد إلى كل الأراضي السورية (أي لا تكون مقصورة على مناطق المعارضة) وإعادة دمج سوريا في النظام العربي.

 هذا يعني أن موسكو وواشنطن تسيران في اتجاهين متعاكسين، والأمر ذاته ينطبق بدرجة أو بأخرى على مواقف باقي الأطراف، ما يؤكد غياب النية عن التوصل إلى التلاقي حول أهداف متوازنة والتخلي عن عقدة احتكار طرف للحل في سوريا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"