مرارة الشهرة

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

إنه الوباء الذي لا علاج له. كان محصوراً في إطار أصحاب المهنة، ثم وجد لنفسه منفذاً إلى الناس مع تحولهم إلى نقاد ومؤلفين ومخرجين ومفبركين يطلقون العنان لمخيلتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. مرة يأخذ شكل «الشائعات»، ومرة يضع قناع «الفضيحة»، وهو في الحقيقة فيروس ينتشر في كل مكان، وخصوصاً في الوسط الفني، واسمه «التنمر».
ما حصل مع الفنان شريف دسوقي الذي دخل عالم الشهرة (وليس التمثيل) من خلال شخصية «سبعبع» في مسلسل «ب ١٠٠ وش» في رمضان الماضي، هو صورة من التنمر الذي يصيب البعض بمقتل. هذا الداء الذي نصادفه في كل مكان، حتى الأطفال يعانون منه في المدارس، يعاني منه أهل الفن كثيراً، وفي مختلف مراحل مسيرتهم الفنية، بل يمكن القول إنه الوباء المفبرك في مختبرات أهل المهنة الواحدة، وقد أصبح الجمهور شريكاً في صناعة التنمر، ويُسهّل عملية انتشاره بسرعة البرق.
«سبعبع» الذي أذهلنا بأدائه وأضحكنا وبحثنا عن اسمه الحقيقي وتعجبنا لعدم معرفتنا به وعدم شهرته رغم تجاوزه الخمسين عاماً، أوجع قلوب الناس ببكائه وتحدثه بحرقة على الشاشة، خلال استضافته افتراضياً في برنامج «الحكاية» مع عمرو أديب. جلس يصد الضربات التي توالت عليه، ويوضح حقائق تؤكد أن كل ما قيل عنه من دخوله مصحة عقلية ومعاناته من اضطرابات نفسية وحضوره مخموراً إلى الاستوديو خلال تصوير الأعمال «شائعات» وأكاذيب. من يطلقها؟ وما الغرض منها؟ هذا الرجل الذي وصلته الشهرة متأخرة، لم ينعم بطعمها بعد، فيبدو أنه يذوق مرارتها أولاً، والجمهور الذي صفق له طويلاً العام الماضي، يشعر بحيرة اليوم بين تصديق دموع الفنان والوقوف على حقائق الأخبار التي طاردته وقدمت صورة مشوّهة عنه، خصوصاً أن المشاهد ما زال في طور اكتشاف شريف دسوقي الحقيقي، الذي فتحت له المهنة أبوابها منذ سنوات لكنه بقي في الظل طويلاً.
دسوقي صار نجم إعلانات، وهو يقف بجانب ماجد الكدواني وبيومي فؤاد وسيد رجب وأمينة خليل، بطلاً في الفيلم الذي يحقق إيرادات عالية «وقفة رجالة»، ونال جائزة في مهرجان القاهرة السينمائي عن دوره في فيلم «ليل خارجي». النجاح وصل بعد رحلة شاقة، لكن الرجل ليس غريباً عن الوسط الفني، فهو ابن مدير فرقة إسماعيل ياسين المسرحية، لكن يبدو أنه لم يتجرع من المر ما يكفي، حتى جاءته الضربات متتالية تواكب أزماته الصحية التي يمر بها.
هل كان يمثل شريف دسوقي حين بكى على الشاشة؟ مسلسل التشكيك ما زال مستمراً، ولن ينتهي سريعاً، ولن يكون دسوقي أول ولا آخر فنان يواجه حروب الوسط الفني ولا التنمر من جمهور أو زملاء، لكن المؤلم في الأمر أن نرى فناناً يعاني المرض ويحارب من أجل الدفاع عن سمعته وصورته، وللحفاظ على حب الجمهور الذي هو كل رصيده وثروته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"