عادي
فيلم جريء مرشح لأكثر من «أوسكار»

«هيلبيلي إيليجي» حكاية نجاح وسط عائلة مشوهة

21:51 مساء
قراءة 5 دقائق
Video Url
4
3

مارلين سلوم

أقل من شهر ويطل علينا موسم جوائز «الأوسكار» بدورته  93 من مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، متحدياً «كورونا» على عكس العام الماضي، حيث طلب من المرشحين الحضور شخصياً للمشاركة في الحفل بشكل مباشر لا افتراضي ولا عبر تطبيق «زووم»، وتوزيع الجوائز «مع كامل الاحتياطات الاحترازية» يوم 25 أبريل/ نيسان. النجمة جلين كلوز من بين المرشحين للجوائز كأفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم «هيلبيلي إيليجي» من إنتاج «نتفليكس» التي تعرضه حالياً، ومعها مرشح فريق عمل الماكياج لجائزة أفضل ماكياج. الفيلم حصد مجموعة جوائز عالمية، ويستحق التوقف عنده لأنه من الأعمال التي تعلق في الذهن لجرأتها بكل ما تحمله من قسوة لاسيما أنه يسرد قصة حقيقية بكل ما فيها من بشاعة وحلاوة.

دائماً تسحرنا الأفلام المأخوذة عن روايات حققت نجاحاً مميزاً ومبيعات عالية، فما بالك إذا كانت الرواية تحكي قصة كاتبها من واقع عاشه ولا يخجل من سرده في مذكرات يحكي فيها عن عائلته، من أين أتت، عن كل الإخفاقات التي عرفتها هذه الأسرة والتي توالت عبر ثلاثة أجيال، وكأنه موروث ثقيل من الجد والجدة إلى الأم ثم الحفيدين!
إنه الجزء الذي يضمن لصناع الفيلم أول خطوة في سبيل جذب الجمهور وإثارة فضوله، تليها باقي الخطوات لتقديم عمل قادر على ترك بصمة ما. 
بلا تجميل
جاي دي فانس هو البطل والراوي الذي يسرد قصة حياته الحقيقية، ويحسب له أنه تجرأ على تقديمها كما هي، بلا تجميل، بل بلا تردد في الكشف عن الحياة المزرية التي عاشها، وكل العنف والضياع والإدمان والفقر التي ترعرع وسطها، وشاركت في كتابة الفيلم سينمائياً فانيسا تايلور، بينما تولى إخراجه رون هوارد، مخرج «عقل جميل»     أو «بيوتيفول مايند» و«أبولو 13».
بنظرة بعيدة إلى الأحداث، تشعر بأنك أمام نسخة من سلسلة أفلام أمريكية تتناول الحياة الاجتماعية والأسرية «غير الوردية»، ولا يمكنك إلا أن تبدي إعجابك بالجرأة التي تتميز بها هذه السينما العالمية وتفتقدها بشدة السينما العربية. وهنا لا نتحدث عن «الكآبة» في الأفلام وفبركة أحداث وبطولات وهمية، بل عن مبدأ تناول حقائق وحكايات عاشها أشخاص مجهولون، تعذبوا وعاندتهم الأحوال والحياة، تعثروا كثيراً وأخطأوا كثيراً لأنهم ليسوا ملائكة، قبل أن ينهضوا من الكبوات ليحققوا نجاحاً مبهراً. وفي «هيلبيلي إيليجي» مجموعة مآسٍ تعيشها عائلة فانس من جيل إلى جيل، يرويها حفيد العائلة جاي دي فانس من من دون أن يخجل من سيرة عائلته «غير المشرفة»، فهو وصل إلى مرحلة من التصالح مع الذات تجعله يواجه الواقع كما هو ويجاهر به دون خوف أو قلق.
ما بين عامي 1997 و2011، تدور أحداث الفيلم الذي ينطلق مع صوت الراوي جاي دي فانس (يؤديه مراهقاً أوين أشتالوس، وشاباً جامعياً جابرييل باسو)، متحدثاً عن المنطقة التي تنحدر منها أسرته في كنتاكي الأمريكية، والتي يقضون فيها بعض العطلات ثم يعودون أدراجهم إلى أوهايو ميدلتاون، لذا يتعرض الفتى للتنمر والمضايقات من قبل فتيان كنتاكي الذين يلقبونه ب «فتى أوهايو» رغم أسلوب السرد، إلا أن المخرج فضل أن يترك بعض الألغاز مبهمة كي يفككها ويحللها المشاهد، مثل غياب الأب وعدم ذكر اسمه بأي شكل طوال الأحداث التي تمتد إلى نحو ساعتين، ويترك لنا أن نفهم طبيعة علاقة الشخصيات ببعضها البعض، ونكتشف مع مرور الوقت سبب عيش جده الذي يناديه باباو (يؤديه بو هوبكنز) وجدته ماماو وتؤديها الرائعة جلين كلوز، منفصلين كل في منزل خاص به، رغم وجودهما في الشارع نفسه، وسبب إدمان والدته بيفرلي وينادونها بيف (آمي أدامز) على المخدرات وتعاطي الهيروين، وهي «أم عزباء» تعيل ولديها من عملها ممرضة. 
الحوار السريع ينقلك من محطة إلى أخرى فيعيدك إلى الماضي البعيد لترى كيف أن الجدة هربت مع حبيبها وهما مراهقان من كنتاكي إلى ميدلتاون خوفاً من افتضاح أمر حملها. صحيح أن المراهقين يتزوجان وينجبان فتاتين هما بيف وشقيقتها التي لا دور لها في الفيلم، لكنهما يعيشان حياة غير مستقرة، تجبر ماماو على لعب دوري الأم والأب بسبب إدمانه على الخمر وإفلاسه الدائم.
حضور مؤثر
جلين كلوز تتفوق على آمي أدامز، فرغم أن دور بيف صعب أيضاً وهي دائمة الحضور في غالبية المشاهد، إلا أن كلوز تسرق الكاميرا وعين وقلب المشاهد فينحاز لها رغم حدة طباعها. الماكياج لعب دوراً مهماً في تغيير شكل كلوز لتصير نسخة طبق الأصل من الجدة الحقيقية للبطل، وتولت كلوز باقي المهمة في جعل الجدة ذات حضور مؤثر جداً، ومميزة بنظراتها وحتى مشيها وهي تعرج. هذه المرأة لعبت دوراً مهماً في حياة كاتب القصة، وهي التي دفعته للنهوض والتقدم والتفوق في الدراسة.
كثيرة أحداث هذا الفيلم المفعم بالمشاعر الإنسانية والمواقف المؤثرة رغم كم السلبية في أحداثه، والحياة المشوهة وغير الصحية التي تعيشها هذه الأسرة، وكم العنف المنزلي الذي يتعرض له الأطفال، خصوصاً جاي دي، ما يجعله فيلماً «غير عائلي»، لأنه لا يناسب الأطفال. كما يكشف عيوباً وخللاً في المجتمع الأمريكي، من حيث التمييز العنصري بين أبناء الولايات وليس فقط بين أبيض وأسود، وعجز بعض العائلات من معالجة المدمن وعدم توفر أماكن في المصحات. من عيوب الفيلم نفسه أن المخرج يصر على التنقل بنا بين الأعوام في كل المشاهد، كلمة تعيدنا إلى 1997، وأخرى ترجعنا إلى الأعوام التالية للألفين حتى 2011، ولولا معرفتنا بأن الفيلم مأخوذ عن مذكرات يسرد فيها صاحبها تفاصيل حياته الشخصية وعائلته، لحسبنا أنها دراما مبالغ فيها، تميل إلى الحزن والعنف وتترك البهجة إلى اللقطة الأخيرة، ولا يمكن التوقف عند تفاصيل حياة هذه العائلة، دون التوقف عند أهمية تسليط الضوء على مثل هذه العائلات التي تعاني الفقر وغياب الرعاية الأبوية السليمة، وما يتسبب به العنف المنزلي والإدمان من تفتت وتدمير مستقبل الأبناء، ولولا وجود ماماو في حياة جاي دي وشقيقته ليندزاي (هالي بينيت)، لما وجد من ينقذ هذا المراهق من الضياع ليصبح محامياً ناجحاً يعمل في إحدى أهم الشركات.
جاي دي تخرج فعلياً في كلية ييل للحقوق عام 2013، وتزوج من حبيبته أوشا (فريدا بينتو)، ونشر عام 2016 مذكراته باسم الفيلم «هيلبيلي إيليجي» نفسه . شقيقته عاشت حياتها سعيدة مع زوجها وأولادها، بينما والدتهما أقلعت عن المخدرات وتعمل منظفة منازل، وهنا نعود إلى بيت القصيد:عدم تنكر الشاب الناجح جاي دي لأسرته، بل تزوج وسكن بجانبها، ولم يخجل من أمه المتهورة والمدمنة التي آذته كثيراً وعنفته كثيراً، ولم يخجل منها أيضاً حتى وهي تعمل منظفة منازل، بل خرج ليحكي للعالم كله قصته من الضياع والعذاب إلى الاستقرار، موجهاً رسائل مباشرة وواضحة في نهاية الفيلم ليقول: «عائلتي ليست مثالية لكنها شكّلت شخصيتي وكلهم منحوني فرصاً لم يحظوا بها.. أيما كان مستقبلي، سيكون هو إرثنا المشترك».
يذكرنا هذا الفيلم بآخر استحقت عنه جوليا روبرتس جائزة أوسكار عام 2000، وهو «إيرين بروكوفيتش»، ليس من حيث الجودة والأداء، بل من حيث جرأة السينما الأمريكية على شرع أبوابها لقصص جريئة تكشف عيوب عائلات وأمهات من دون أن تسعى إلى تجميلها أو تجاهلها، بل تعتبرها عبرة ودرساً من الواقع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"