تحدي الجائحة عبر ألعاب طوكيو الأولمبية

23:02 مساء
قراءة 4 دقائق

 د. عبدالعظيم محمود حنفي *

كانت اليابان تتطلع إلى حركة سياحية ضخمة مع إقامة ألعاب طوكيو الأولمبية، سيما وأن اليابان ظلت تقدم دعماً ملحوظاً لقطاعها السياحي منذ عام 2000 في تحرك استراتيجي نشط من أجل الإسهام في معالجة الركود الاقتصادي الذي ظلت تعانيه خلال السنوات الأخيرة. 

ووضعت اليابان خطة خمسية محكمة للتصدي لتلك المشكلة من خلال تصحيحها بشكل مستمر وثابت وعلى أسس دورية محددة. السياحة هناك تمثل 7.4% من إجمالي الناتج المحلي، و6.9% في معدل العمالة. وأعلنت الحكومة اليابانية خطة تطوير بلادها لتصبح منطقة جذب سياحي عالمية. وقامت باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لذلك، من ناحية تأشيرات الدخول والمتاجر والأسواق الحرة وغيرها، وهو ما ساعد اليابان على تحقيق فائض في ميزانها السياحي. 

كما أن طوكيو مجهزة بكل من البنية التحتية اللازمة، والفنادق، وأماكن الحدث، لذا فهدف طوكيو هو استضافة ألعاب تتم بسلام وأمان، بالروح الأولمبية الأصلية للألعاب التي توفر نموذجاً للتجمعات الأولمبية في المستقبل دون الإفراط في البهرجة. كما تشهد اليابان اليوم انخفاضاً في معدل المواليد وتزايداً سريعاً للمتقدمين في السّن من أفراد المجتمع بشكل أو بآخر حيث تواجه اليابان مشكلة صعبة ستتعرض لها الدول المتقدمة في المستقبل. وبهذا الصدد، تلعب الألعاب الأولمبية والبارالمبية دوراً أكبر أهمية بالنسبة لليابان. حيث إن استضافة طوكيو للألعاب الأولمبية سيزيد من فرص الناس للمشاركة في الأحداث الرياضية مهما كانت إعاقتهم الجسدية. 

وستصبح طوكيو إن أقيمت دورة الألعاب الأولمبية في عام 2020 في موعدها صيف هذا العام، أول مدينة آسيوية تستضيف الألعاب للمرة ثانية. وباعتبار أن آسيا منطقة واعدة بشكلٍ كبير في المستقبل، وذلك نظراً لكل من عدد سكانها ونفوذها الاقتصادي. فقد قامت الصين، كوريا، واليابان على وجه الخصوص، ببناء سجلات رائعة في عالم الرياضة. وكان هذا مبرراً متيناً لجلب الألعاب الأولمبية والبارالمبية إلى آسيا؛ سيما ونحن الآن فيما يطلق عليه ب «قرن المحيط الهادئ». ومع إقامة الألعاب الأولمبية في طوكيو، فقد يكون لها أثر كبير على منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ ككل. إلا أن تدفق السياح والسياحة الموعودة وئدت بسبب جائحة كورونا التي جعلت من المتعذر – حتى الآن - حضور الجماهير الأولمبياد من خارج اليابان. ومن ثم فهي خسارة كبيرة لليابان من جراء تضرر السياحة العالمية، حيث أعلنت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير لها صدر في 9 مارس 2021، أن ثلث الوجهات في العالم مغلقة تماماً في الوقت الحالي أمام السياح الأجانب، خصوصاً في آسيا وأوروبا. وذكرت المنظمة، التي تتخذ من مدريد مقراً لها، أنه مع بدء الحكومات في تخفيف قيود السفر العام الماضي، أدى «ظهور نسخ جديدة من الفيروس» و«الوضع الوبائي الذي لا يزال خطيراً»  إلى قلب الموازين. وكان عام 2020 «أسوأ عام في تاريخ السياحة» على مستوى العالم، حيث انخفض عدد المسافرين بنسبة 74 في المئة مقارنة بعام 2019، أي ما يقرب من مليار سائح، وفقاً لتقديرات منظمة السياحة العالمية في يناير وأدى الوباء إلى خسائر بلغت 1.3 تريليون دولار العام الماضي، أي ما يمثل 11 ضعف العجز المسجل في عام 2009، خلال الأزمة المالية العالمية، وهذا حفز المشككين في النتائج الاقتصادية لإقامة المناسبات الكبيرة ؛ حيث الدوافع لاستضافة حدث رياضي كبير كالألعاب الأولمبية يبدو مراوغاً بالنسبة لبعض الخبراء الاقتصاديين ونادراً ما تكون الآثار الاقتصادية الصافية المباشرة المقيسة بطريقة مقنعة في الظاهر كبيرة ولكنها عادة ما تكون سلبية؛ إذ إن من الصعب التحقق من المنافع غير الاقتصادية؛ هل يمكن أن يشكل استضافة أحداث ضخمة استغلالاً جيداً لأموال الخزينة العامة؟ ولكن في الواقع العملي تتنافس البلدان بضراوة لاستضافة الأحداث الرياضية الكبرى.

هل يحتمل أن يكون أرباب مهنة علم الاقتصاد قد غاب عنهم شيء ما؟ والمؤكد أن اللجنة الأولمبية الدولية تعتقد ذلك، فهي تؤمن بأن الزوار سيتدافعون لمواقع المدينة المضيفة ومنتجاتها بعد تعرفهم عليها من خلال مشاهدة الألعاب الأولمبية وينتهي هذا الأمر إلى بيان بأن استضافة الألعاب الأولمبية ستنشط صادرات البلاد، خاصة سياحتها.

وأظهرت إحدى الدراسات الأكاديمية من منظور تجريبي وبينت أن هناك أدلة قوية على وجود تأثير إيجابي للألعاب الأولمبية في الصادرات وأن كل أنواع التجارة تزداد وأن الواردات ترتفع بقدر ارتفاع الصادرات؛ باختصار ظل الأثر التجاري للألعاب الأولمبية إيجابياً وكبيراً على طول الخط وبعد ذلك نظرت الدراسة في أحداث ضخمة أخرى مثل كاس العالم والمعارض الدولية ووجدت أن هذه أيضاً كانت لها آثار إيجابية أيضاً على التجارة. 

ولاحظت أن استضافة طوكيو للألعاب الأولمبية عام 1964 تزامن مع انضمام اليابان لصندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. ومنحت برشلونة حق تنظيم الألعاب الأولمبية لعام 1992 في عام 1986 وهي السنة نفسها التي انضمت فيها إسبانيا إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية. 

ونظمت كأس العالم في المكسيك عام 1986 وتزامن ذلك مع تحريرها للتجارة وانضمامها للاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة التي مهدت لقيام منظمة التجارة العالمية. ومن ثم يبدو أن التفسير الحقيقي للأثر التجاري الأولمبي وفق تلك الدراسة أن البلدان التي تحرر التجارة تستضيف في الوقت نفسه أحداثاً رياضية ضخمة مثل الألعاب الأولمبية، كما لاحظت الدراسة أن الأمر نفسه ينطبق على القوى الصاعدة التي توشك أن تفرض نفسها كقوى دولية فاعلة. 

ولما كان التحرير دائماً صعباً ومعظم البلدان التي تشرع في السير على هذا الدرب لا تصل أبداً إلى غايتها ومن ثم فهي ترسل رسالة باهظة التكلفة. رغم كل الصعاب، تصر اليابان واللجنة الأولمبية الدولية على إقامة الدورة في موعدها المقرر في يوليو هذا العام، لأن البشرية عقدت عزمها على التعاون والتآلف وإقامة المناسبات الرياضية الكبرى لكى تنتصر الإنسانية على الجائحة.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"