إعادة التسليع والتغيير الاجتماعي

21:39 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم حنفي *

لا تكون الضرورات الاقتصادية للعولمة أبداً مستقلة أو منعزلة عن السياق الذي تعمل داخله. فهي ذات بعد اجتماعي، وتتفاعل مع الوكالات والهياكل الاقتصادية والاجتماعية، وتعيد تشكيل سلع «كارل بولانيي» التخيلية، وهي الأرض والعمل والمال، جزءاً من النظام الاقتصادي الاجتماعي. فمن خلال أداء وظيفتها كسلع أساسية، تصبح جميعها مفتاحاً لتشغيل الأسواق التي يزعم البعض أنها ذاتية الضبط والتنظيم. وبالتالي، تخضع السلع التخيلية لعملية التسليع. ومع ذلك، لا تكون ممارسات وعمليات وتجارب التسليع أبداً خالية من القلق بشأن المحافظة على الإنسان والطبيعة والمنظمة الإنتاجية.

لقد تم تنفيذ جهود متعددة ومتنوعة للحماية الاجتماعية من قبل الحكومات التي تمارس قدراتها التنظيمية في جميع أنحاء العالم لتحقيق هذا الهدف، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن حتى الآن، تقدم معظمها ممارسات مجزأة، وغير كاملة للضمان الاجتماعي الرسمي في أحسن الأحوال. وفي كثير من الأحيان، يتم استهداف السكان على الصعيد الوطني، ودون الوطني، من قبل برامج الحماية الاجتماعية التي هي بعيدة عما يمكن أن تكون عليه دولة الرفاهية. وبهدف وقف التسليع الى منح حماية من السوق للسلع التخيلية، خاصة العمل والأرض، عملت سياسات وبرامج الرعاية الاجتماعية في الاقتصادات المتقدمة بشكل أفضل نسبياً. وإن كانت لا تخلو من الخلافات والمشكلات، بينما يتراوح توفير الضمان الاجتماعي لبقية العالم بين المنعدم والضعيف، وغير المكتمل، والمجزأ، وغير المرضي في غالب الأحيان.

وعندما يكون الشخص قادراً على الحفاظ على كسب العيش من دون الاعتماد على السوق، يكون قد تم وقف تسليعه. لكن ليس هناك من يضمن أن هذا الوضع سيستمر. وفي حالة الانعكاس، أي إعادة دخول السوق، والاستفادة من حريته الشخصية في استخدام قوته العاملة، والاعتماد على السوق لكسب العيش، يكون مثل هذا الشخص عاد طواعية إلى حالة السلع التخيلية. وبالتالي تكون عملية إعادة التسليع حدثت.

إن تركيز بعض الحكومات على تجربة إعادة تسليع الهيكلة الاقتصادية قد ترك بصمة على عمليات التغيير الاجتماعي في بلدانها، في الوقت الحاضر. حيث اسهم الاهتمام الضيق بالضروريات والأساسيات الاقتصادية للعولمة في ارتفاع مستويات عدم المساواة وسوء توزيع الدخل. ووفقاً لدراسة للبنك الدولي عن الرفاهية والفقر في ريف بعض تلك الدول، مثل المكسيك على سبيل المثال، فإنه على الرغم من بعض التقدم في بعض الجوانب مثل الحصول على الخدمات الأساسية، تظل جوانب أخرى مثل دخول الفقراء من دون تحسن على نطاق واسع. وثبت من بعض الدراسات أن النموذج الموجه نحو الخارج، وإن كان يتسق نسبياً داخل نطاق شروطه الخاصة، فإنه لا يأخذ في الاعتبار الطابع الاجتماعي للأنشطة الاقتصادية، حيث إن له أثراً اجتماعياً متفاوتاً. إن ترك التعلم التكنولوجي والابتكار كرد على سعر العولمة، ومؤشرات السوق، تكمن في حقيقة أنه لا يوفر أي حافز واضح لصياغة سياسات العلم والتكنولوجيا التي تهدف إلى أغراض محددة بشكل صحيح، لذلك تكون النتائج في مثل هذه الحالات برامج سيئة المعالجة. وإن تبنّي مثل هذا الاختيار صدمة استراتيجية محفوفة بالمخاطر يدين، ليس الشركات الفردية فقط، ولكن أيضاً جميع الوكالات المشاركة في العمليات، أو المرتبطة بالقطاعات المتخلفة عن الحدود الدولية. وإن أي قلق بسيط بخصوص اللحاق بالركب يزيد من الصعوبة إذا كان التركيز ينصب على تحديث الإدارة والقدرات التنافسية فقط، ويتبع السياسة الحكومية الضيقة ورؤية الإدارة قصيرة النظر على قدم المساواة من أجل تجنب الركود في الابتكار التكنولوجي. والزيادة في إعادة التسليع تحتاج الجهود والحوافز إلى أن تكون موجهة نحو إعادة صياغة وإعادة تعزيز الروابط المحلية لتعزيز ظروف النمو العادل الذاتية، وإذا كان لهذا أن يحدث فيجب تحسين أنشطة الربط الشبكي الاقتصادية المحلية بشكل كبير، من حيث النوعية والكم وتعزيز نظام الإنتاج والقدرات التكنولوجية، والأمر الحاسم هنا هو الاستعاضة عن استراتيجية العمالة الكثيفة قليلة المهارة بأخرى تعزز وتجدد الأفكار والمعارف والعلوم والتكنولوجيا، والبحث والتطوير.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"