الاقتصادات الريادية

22:38 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم حنفي* 
ظلت الولايات المتحدة القوة الاقتصادية القائدة في عالمنا لأكثر من قرن. ومن أسباب هذا النجاح أن الولايات المتحدة تعد النموذج المثالي للمزج بين رأسمالية ريادية الأعمال، ورأسمالية الشركات الكبيرة. ولكن هل بوسع الأمريكيين والآخرين في العالم الذين يقتفون النموذج الأمريكي أن يؤكدوا بطمأنينة أن الاقتصاد الأمريكي سيواصل النجاح الذي حققه في الماضي؟ 
ترى دراسات مراكز اقتصادية أمريكية أنه في الوقت الذي يوجد كثير يدعو للتفاؤل، هناك أيضاً مخاطر محدقة بالاقتصاد الأمريكي أهمها احتمال التحول إلى ما هو أقل بكثير من نظام المزج بين ريادية الأعمال والشركات الكبيرة، نظام يتسم بالتيبس ومحدودية الحوافز، وشح الابتكارات المحدثة للطفرة. 
وترى أنه لا توجد صيغة مبسطة لمنع وقوع هذه النتيجة، ولكن تلك الدراسات تؤكد أهمية مبدأين رئيسيين: توفير الحوافز لريادية الأعمال المنتجة، وإحباط الانحراف عن الموهبة الريادية إلى مصادر للثروة غير منتجة أو بالأحرى مدمرة، حيث ترى تلك الدراسات أنه لا يمكن ببساطة التخلي عن فكرة أن نظام الشركات الكبيرة يمثل عقبة؛ لأن الاقتصاد الأمريكي لم يكن يمتلك على الدوام هذا المزيج الرائع بين رأسمالية الشركات الكبيرة ورأسمالية ريادية الأعمال. ففي الستينيات (عصر الذروة لصناعة السيارات والصلب و«المابل» (منظومة الهاتف AT&T القديمة) كان النظام أقرب بكثير إلى رأسمالية الشركات الكبيرة، ثم جاءت صدمة الأسعار النفطية 1973  1974، أو سنوات الركود التضخمي فعايشت أمريكا عقدين من نمو محبط في الإنتاجية وتراوح انبعاث ريادية الأعمال وبدرجة كبيرة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مع منافسة أجنبية أكثر احتداماً. 
أجبرت الشركات الكبيرة الأقدم على تحسين جودة منتجاتها، وقد ساعد تزاوج هاتين الظاهرتين على تغير أحوال الاقتصاد الأمريكي نحو الأحسن، ولكن الحكمة تقول إن شيئاً ما لا يمكن أن يمكث للأبد. فمن الممكن تصور الاقتصاد الأمريكي قد يكون في طريقه للعودة إلى نظام أكثر صرامة للشركات الكبيرة وسيكون من قبيل التفكير بالتمني أن ذلك النمط لا يمكنه الصعود مرة أخرى.
إن اقتصادياً ثاقب النظر هو الراحل مانكور أولسون قد زعم أن شيئاً من هذا القبيل يرجح أن يصبح مصير الاقتصادات المعتلة، خاصة تلك في المجتمعات الديمقراطية. 
وحسبما جزم به أولسون، فإنه عندما تشيخ الاقتصادات تنمو جماعات المصالح الخاصة عدداً ونفوذاً. وبحدوث هذا يصبح الاحتمال الأرجح أن تذهب إلى الصراع في ما بينها. فمثلما هو حال الأشياء المادية المحكومة بقوانين نيوتن، تقابل الدعوات من جماعات مصالح خاصة للقيام بعمل معين، بردود أفعال من جماعات أخرى، حيث يستهدف الجميع إفشال طموحات الآخرين. 
وفي الغالب يصبح المآل هو الشلل أو أسوأ أنواع «النمط الريعي» مصحوباً بتنظيمات وسياسات مصممة لمصلحة جماعات بعينها، دون تحويل أي فوائد للرفاه العام، إن لم تكن تقلص منه. ويعتبر انتشار الاتحادات التجارية وجماعات الضغط من التأكيدات القوية على هذه النبوءة. إن الارتداد إلى رأسمالية الشركات الكبيرة يهدد بآثار وخيمة، حيث يقود إلى شلل تتسبب فيه جماعات المصالح وعبر تباطؤ معدل الابتكار أو التجديد الجذري. ويرون أن هناك أربعة شروط عريضة لتحقيق المزج السليم بين رأسمالية ريادية الأعمال ورأسمالية الشركات الكبيرة. والشروط الأربعة هي أنه على الحكومات أن تسهل على رياديي الأعمال أن ينشئوا مشاريع ويجب أن تضمن حصولهم على مكافآت سخية عندما ينجحون، وعليها أيضاً أن تثبط بشدة ريادية الأعمال غير المنتجة التي يمكن أن تتخذ صوراً كثيرة، منها على سبيل المثال، الفساد في الأعمال وتكوين جماعات الجريمة المنظمة، والانخراط في أنشطة تعتبر قانونية كممارسة الضغوط على المشرعين لحملهم على تبني قوانين تحقق الأرباح لجماعات الضغط وعملائها، كما توفر المحاكم والوكالات الانضباطية فرصاً كثيرة للمهرة من المحامين الرياديين، مع تجنب سوء استخدام القوانين المناهضة للاحتكار، حيث يحفل التاريخ بأمثلة على شركات خرجت من المنافسة بسبب عدم كفاءتها أو تدني مستوى منتجاتها، ومن ثم بحثت عن الحماية من منافسيها بادعاء أن الأنشطة المنافسة «غير نزيهة» أو «نهابة» أو «مخربة». 
* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"