الحكومة الحديثة عند «فوكو»

22:47 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي *

يعتبر ميشيل فوكو من أكثر الفلاسفة الاجتماعيين تأثيراً في النصف الثاني من القرن العشرين ويعد هو ويورجن هابرماس بلا منازع هما المفكران الوحيدان اللذان كتبا عن موضوعات القوة والمعرفة والتغير الاجتماعي. ونقوم هنا برصد وتحليل استنباط المعرفة عن التنمية وفق فيكو. وبداية فإن تحليل فوكو لكيفية إنتاج الحقائق المجتمعية ودوامها وصمودها يعطينا أداة تحليل مفيدة للتفكير حول وضع أطر لسياقات قوة المعرفة التي يتضمنها التعلم الاجتماعي. ويرى فوكو أنه في التنمية من المعتاد أن نفكر في علاقات القوة بين الناس أو بين الجماعات الاجتماعية. وهناك أمثلة عديدة لعلاقات القوة مثل تلك العلاقات القائمة على الطبقة (هؤلاء الذين يمتلكون رأس المال وأولئك الذين يعملون من أجله)، والعمر (بين الشباب والكبار) والعرقية (بين المجموعات العرقية) المختلفة.

وبالنسبة للقوة نفسها فيمكن التفرقة أو التمييز بين 3 احتمالات.

ا- القوة الفوقية: تتحكم هذه القوة في الناس من خلال القوة الفوقية السياسية المباشرة أو التحكم في الموارد، وليس من الضروري أن تكون القوة الفوقية علنية وصريحة لأن الناس يضفون من ذواتهم على هذه القوة حتى تبدو «طبيعية» في علاقات القوى مع الآخرين.

۲- قوة لصالح: وهي حول التمتع بالقدرات والإمكانات التي تساعد على الاختيار وترتبط بالأعمال وغالباً ما تشكل مقاومة للقوة الفوقية.

٣- قوة مع: وهي المقدرة على تحقيق تحكم من خلال العمل المشترك مع الآخرين. ويهتم معظم المحللين غاية الاهتمام بالقوتين الأخيرتين، القوة لصالح والقوة مع، والتي يقول فوكو بالتمكن منهما بالتعلم، فكلتا القوتين: القوة لأجل والقوة معاً تتصلان بقوة مع غرض التعلم لاكتساب قدرات وإمكانيات للتنمية سواء بشكل فردي أم جماعي ويتردد صدى القوة، مع فكرة دعم وإعلاء التعلم من خلال الفعل التواصلي الجماعي. وفي كتابات فوكو هناك موضوع وثيق الصلة بهذا الشأن: وهو موضوع الحوكمة أو فن الحكومة الحديثة.

ويرى فوكو إن فن الحكومة الحديثة يتطلب أن يعرف السكان جيداً احتياجاتهم وخصائصهم حتى تتمكن الحكومة أن تحكم الناس، وعلى الحكومة أن تتعرف على سكانها وتتعلم كثيراً عنهم، ويمكن أن يتحقق ذلك بطريقة كمية من خلال التجميع الإحصائي والتصنيف والتنظيم، ويمكن اعتبار جماعات التركيز وإجراء المقابلات على أنها إضافة لبعد نوعي وتشكل حجة فوكو تحدياً؛ إذ يبدو أن التعلم من أجل التنمية يشكل حلقة معتدلة ومع ذلك يتعلم مختلف الناس أشياء مختلفة لأغراض مختلفة، أن المشاركة هي أفضل الطرق لتعزيز التنمية التي تنفع الفقراء والمهمشين. ومع ذلك هناك وجهة نظر متشككة يمكن لمهنيي التنمية مهما كان اعتناقهم أو مناظراتهم أن يستخدموها بغرض معرفة أو اکتشاف المستفيدين وبيئتهم المحيطة من أجل أن يؤدوا بشكل أكثر فاعلية وتأثيراً ما عقدوا العزم بالفعل على تنفيذه وفعله. وبحث فوكو وكتب بشكل مستفيض ومفصل وقدم وصفاً وتفسيرات عن كيف أن أنظمة الحقيقة تؤسس على مر الزمن من خلال تعدد العلاقات عند وبين مقاييس – الأفراد والتجمعات والمؤسسات والدولة وهكذا والذي يمكن أن يعرف علاقات القوى التي يغلب عليها التبدل أو التغير. وفي رأي فوكو يتم المحافظة والبقاء على أنظمة الحقيقة بأجهزة أو أدوات الحكومة الحديثة لأغراض الحوكمة. 

وتشمل مثل هذه الأجهزة التعلم من الحكومة وكبار المسؤولين فيها، ولكن بواسطة الشعب نفسه أيضاً فتعلم الحقيقة التي تندمج بهم لتصبح مبدأً هادياً لهم. وهناك صنفان يخصان أنظمة الحقيقة (وينطبق هذا أيضاً على مسألة الحوكمة) وهما:

أولاً: إن هذه الأنظمة لا يصنعها الذين في السلطة ومن ثم تفرض على الجماعة الاجتماعية والأفراد الموجودين فيها، وهما يظهران للوجود من خلال مفاوضات مركبة على مر الزمن.

ثانيا: لا تنجح أنظمة الحقيقة حقاً في تنظيم الجماعة الاجتماعية في إذعان وقبول شامل، هذه الأنظمة كيانات ديناميكية، نجد دائماً من يتحداها ويعترض عليها ويحاول إصلاحها ويعيد تعريفها وهذه التغيرات يمكن اعتبارها شكلاً من أشكال التعلم.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"