عادي

ابن عباس وابن عمر وابن مسعود

22:09 مساء
قراءة 3 دقائق
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

هناك عبارة مشهورة بين العلماء هي: «رخص ابن عباس وتشديدات ابن عمر»، فيا ترى ماذا تعني هذه المقولة؟
أقول: لا دخان من غير نار، وما قيلت هذه العبارة اعتباطاً بل لها أصل، إذ ورد في الكتب أن الخليفة أبا جعفر المنصور قال للإمام مالك إمام دار الهجرة: يا أبا عبد الله لم يبق على وجه الأرض عالم غيري وغيرك، أما أنا فقد اشتغلت في السياسة، وأما أنت فضع للناس كتاباً في السنة والفقه، وتجنب فيه رخص ابن عباس وتشديدات ابن عمر وشواذ ابن مسعود ووطّنه توطئة، فكان ذلك الكتاب هو «موطّأ مالك».
وما قاله الخليفة العباسي صحيح وقد أشار ابن القيم في «زاد المعاد» إلى مثل ذلك عندما ذكر أن بعض المسائل ترخص بها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وتشدد بها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فعبد الله بن عمر كان يشدد في بعض الأمور التي لم يكن الصحابة يوافقونه عليها، فكان على سبيل المثال يغسل داخل عينيه في الوضوء، وكان إذا مسح رأسه أفرد أذنيه بماء جديد، وكان لا يرى دخول الحمام (الحمام بعرف ذلك الزمان هو المكان العام المخصص للاغتسال) وكان يتيمم بضربتين إحداهما للوجه والأخرى لليدين إلى المرفقين، وكان يتوضأ إذا قبل امرأته، وإذا قبل أولاده تمضمض.
أما ابن عباس فكان يدخل الحمام، وفي التيمم كان يقول: ضربة واحدة تكفي للوجه واليدين، وكان يقول عن تقبيل امرأته: ما أبالي قبلّتها أو شممت ريحانا.
ويظهر من هذا العرض أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يجتهد ويميل إلى التيسير على الناس، لأن الدين يسر، وابن عمر رضي الله عنهما كان يجتهد لكنه يأخذ بالأشد، لأن الاحتياط واجب أيضاً.
وبالمناسبة فإن قصة أبي جعفر المنصور مع الإمام مالك ذكرها ابن خلدون أيضاً في تاريخه (ج1ص18-19) فلا يستغرب في تلك الأيام إذا نافس الحاكم العالم في العلم، فكان كثير من الحكام علماء، ألم يكن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان يخطب الجمعة بنفسه؟ حتى قيل له: يا خليفة المسلمين لقد أسرع الشيب إلى لحيتك، قال: كيف لا أشيب وأنا أعرض عقلي على الناس كل أسبوع مرة؟ ويقصد خطبة الجمعة.
وعن غرائب ابن مسعود رضي الله عنه في فتاواه أو في آرائه ذكروا أشياء كثيرة، ومن ذلك قوله إن المعوذتين ليستا من القرآن، فهو رغم أنه من السابقين في دخول الإسلام لكن كما يقول العلماء فاتته بعض الأشياء، فالمعوذتان في نظره دعاء، وليستا سورتين من سور القرآن الكريم، فكان كلما وجدهما حكّهما من المصحف لأنهما دعاء.
أقول: ولا يعد هذا منقصة في حق ابن مسعود رضي الله عنه، فهو من حفاظ القرآن الكريم ومن الذين أشاد الرسول صلى الله عليه وسلم بحسن تلاوتهم، ففي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب أن يقرأ القرآن غضّاً فليقرآه على قراءة ابن أم عبد» يعني عبد الله بن مسعود.
ومن غرائب ابن مسعود أيضاً أنه كان إذا صلى يشبك بين كفيه ثم يدخلهما بين فخذيه وهو راكع، ولا يقبض بكفيه على ركبتيه كما هي السنة، ومثل هذه الرواية صحيحة أقرها الشيخ الألباني، وقد دافع الألباني عن ابن مسعود وقال بأن له فضلاً على الإسلام، فربما ما فعله ابن مسعود كان له أصل في بدايات الإسلام، فرضي الله عن ابن مسعود الذي كان من السابقين في الإسلام، وأحد الأربعة الذين ثبتوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم غزوة أحد، وهو الذي حزّ رأس أبي جهل يوم غزوة بدر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"