إبداع المنتجات.. والعمليات

22:03 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي *

حاولت العديد من الدراسات أن تبرهن على أن أغلب النقاش حول تأثير «العلم في المجتمع» يخص النشاط الاقتصادي. والأمر كذلك بمعنيين، أولهما عناية تلك الدراسات بالنمو الاقتصادي باعتباره قوة تحرير ممكنة، كما أن التغييرات التكنولوجية قد لعبت دوراً تاريخياً مهماً للغاية في التمكين لحدوث معدلات سريعة للنمو الاقتصادي. وقد كان النشاط العلمي بدوره وثيق الصلة بالتغيرات التكنولوجية، وذلك رغم كون العلاقة بينهما معقدة جداً. 

وثانيهما أن العديد من قضايا سياسة العلم والتكنولوجيا وهي لها أهمية معاصرة عادة ما تكون لها أبعاد اقتصادية مهمة، بمعنى أنها معنية بمسائل تخصيص الموارد والإنتاج الاقتصادي. 

وعلى سبيل المثال عنيت تلك الدراسات بمسائل مثل: لماذا تنفق المؤسسات الأموال على البحث والتطوير؟ ولماذا تنفق بعض الشركات أكثر مما تنفق الأخريات؟ وما هي العوامل التي تؤثر في معدل واتجاه تكثيف النشاط؟ ويتم تعريف التغيير التكنولوجي في بساطة متناهية باعتباره تحسيناً في «حالة المعرفة» أو باعتباره تحولاً (انتقالياً) في حالة الإنتاج. وتؤدي منظومات الممكنات التكنولوجية إلى هذا التحسين من سبيلين: (1) مزيد من الإنتاج يتم إنجازه بنفس الموارد، و/أو (2) نفس الإنتاج يتم إنجازه بموارد أقل. وتأتي تلك الدراسات بالبراهين على أنه يوجد تمييز منطقي بين التغيير التكنولوجي (حيث تتغير حالة المعرفة) وبين التحول في التقنيات (حيث تتغير التقنية استجابة لإشارات اقتصادية)، وتقر تلك الدراسات أن الفصل بين هذه التأثيرات صعب للغاية على مستوى الممارسة، لأن قرار اختيار التقنية يحدث في لحظة الاستثمار (إضافات إلى مخزون رأس المال). ولأن كل دورة للاستثمار تنطوي على تكنولوجيا جديدة. ويركزون على سلسلة من المفاهيم المصاحبة لتنمية التكنولوجيات الجديدة في الإنتاج الاقتصادي، وفق تعريفات فريمان التي تضمنها كتابه (اقتصاديات الإبداع الصناعي) حيث إن فئات البحث والتطوير هي:

أ) بحث أساسي: عمل إبداعي ينفذ وفق قواعد منتظمة من أجل زيادة مخزون المعرفة العلمية.

ب) بحث تطبيقي يوجه إلى هدف عملي بعينه قد يكون محدداً سلفاً.

ج) تطوير تجريبي: استخدام المعرفة العلمية من أجل إنتاج ما هو جديد أو بالغ التطور كمواد، أو أدوات، أو منتجات، أو عمليات أو أنظمة أو خدمات. وهذا التصنيف السابق لا يرتبط بالضرورة بمراحل متعاقبة. ويميز فريمان بين الاختراع وبين الإبداع.

وكثيراً ما يتم التمييز بين إبداع منتج جديد، وإبداع عملية جديدة (مثل استخراج النفط بتقنية «التكسير الهيدروليكي»). وأحد الأسباب الرئيسية لعمل هذا التمييز أن نوعي الإبداع هذين يرتبطان غالباً بالتحليل الاقتصادي من مداخل مختلفة. وعلى سبيل المثال فإن إبداع المنتجات غالباً ما يصاحبه تطور اقتصادي توسعي حيث تكون تكنولوجيات جديدة قد تم اكتشافها، وتكون مطالب جديدة قد تحددت. 

وتعد المجموعة الواسعة من المنتجات الصيدلانية الجديدة التي نشأت في الخمسينات والستينات من القرن العشرين مثالاً طيباً لهذا النوع من الإبداع. وعلى النقيض فإن إبداعات العمليات يجب أن تحدث تحت ظروف ضغط اقتصادي حيث قد تمكن الطاقات الإضافية (المترتبة على إبداع عمليات جديدة) شركة ما من خفض تكاليف الإنتاج لمنتج محدد، وتمكنها بالتالي من التكيف مع ظروف ركود في سوق الطلب. 

ولكن التمييز بين نوعي الإبداع ليس بحال من الأحوال جامعاً مانعاً؛ فالمنتجات الجديدة غالباً ما تتطلب إبداع عمليات لإنتاجها في حين أن المعطيات الجديدة يمكن أن تغير من طبيعة المنتج النهائي مثلما كانت الحال مع تقديم عملية بسمر في صناعة الصلب على سبيل المثال. 

والإعلان البالغ الحذق يرتبط بطبيعة طلبات الاستهلاك النهائية، وكما يعتقد أحد الخبراء فإن هذا الإعلان إذا ما ركز كثيراً من أجل إظهار المستهلكين وكأنهم يطلبون خصائص المنتجات أكثر من طلبهم المنتجات ذاتها، فإن التمييز بين نوعي الإبداع يكتسب دلالة تحليلية جديدة. حيث يمكن اعتبار إبداع المنتجات كما لو كان شكلاً من أشكال إبداع العمليات الذي يكون قريباً من مرحلة الاستهلاك الأخيرة. وبهذا المعنى فإن الإبداع يجب أن ينظر إليه بطريقة صائبة، باعتبار أن حدوثه ممكن عبر كل مراحل الإنتاج، وأنه يكون مصحوباً بتأثيرات «تدفقية هابطة» و«تدفقية صاعدة». تحدث في وقت لاحق، وقد تأخذ أشكالاً عديدة متباينة.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"