عادي

كـرة القـدم فـي مرمـى الفسـاد المعولـم

22:54 مساء
قراءة 3 دقائق
1

القاهرة: «الخليج»

«سقوط الفيفا.. الفساد والمال والسلطة» عنوان الكتاب الذي ترجمه إلى العربية محمد عثمان خليفة، ومن خلال صفحات الكتاب يجيب الصحفي ديفيد كون عن أسئلة عديدة، مدعومة بالحقائق والأدلة، فيحكي لنا قصة الفيفا منذ النشأة والتطور، ومسيرتها حتى الآن. ومما ينقله لنا الكاتب الذي يعمل في صحيفة «الجارديان» نتعرف إلى الكثير من وقائع الفساد، الذي يشوب عملية اختيار الدول المنظمة لبطولة كأس العالم، وكيف كان للرشاوى دور كبير في اختيار هذه الدول، بالإضافة إلى سيطرة كبرى الشركات الراعية والدول الأوروبية على المنظومة، ليكونوا في المقام الأول في الاستفادة من عوائد المباريات.

من جانب آخر يكشف المؤلف استغلال أبرز المرشحين لرئاسة الفيفا لاتحادات كرة القدم الفقيرة، لكسب أصواتهم، فيوضح بالأرقام المبالغ الهائلة، التي بلغت المليارات، لتحقيق المنفعة الشخصية على حساب المنظومة بأكملها، حقائق وخبايا لا نعرف عنها الكثير.

ندرك الحقيقة الكاملة في هذا الكتاب، مثل واقعة صفر المونديال المصري للحصول على تنظيم كأس العالم 2010 وتنظيم كأس العالم في ألمانيا عام 2006 وفي البرازيل 2010 لنرى مع كل هذا مدى التحول في صناعة كرة القدم من لعبة شعبية إلى وسيلة رأسمالية، للتربح بشكل أساسي عبر أساليب الفساد المعولم.

رحلة تحقيق

أثناء العمل في هذا الكتاب قادت رحلة التحقيق كون إلى اكتشاف وفهم الأصول التاريخية لكرة القدم، وأن التوجهات التجارية الربحية الهائلة تتناقض مع التقاليد الأخلاقية التي حافظ عليها اتحاد كرة القدم قرناً من الزمان، كانت جذور هذه الرياضة العالمية في تلك الألعاب الخشنة التي اعتاد القرويون الإنجليز القتال من أجلها في العصور الوسطى، إذ كانوا يقاتلون حرفياً لحمل الكرة أميالاً إلى «هدف» في منطقة المنافسين.

شيئا فشيئا تطورت تلك المعارك، وارتقت إلى أنشطة رياضية في أربعينات القرن التاسع عشر، في المدارس الإنجليزية، وعندما غادر التلاميذ المدارس إلى الجامعة أو العمل أو الجيش، أرادوا مواصلة اللعب ومن هنا تشكلت الأندية الأولى لكرة القدم، ووضعت كل مدرسة قواعدها الخاصة.

وفي النهاية في 26 أكتوبر 1863 التقى ممثلو 12 نادياً في «حانة الماسونيين» في «لنكولن إن» بلندن للاتفاق على شكل واحد للعبة، وأسسوا ما أطلقوا عليه «اتحاد كرة القدم» وتكونت تلك الأندية التي حفرت أسماءها للأبد في تاريخ الرياضة الأكثر شعبية في العالم، من خريجين سابقين وضباط جيش.

تدريجيا انتقلت كرة القدم شمالاً إلى المدن الصناعية عن طريق تلاميذ المدارس، ومع ازدياد شعبية اللعبة انتبهت الكنائس والشركات إلى مزاياها المادية والمعنوية، وشكلت بدورها أندية جديدة، ولذلك نجد أن بعض الأندية الشهيرة في إنجلترا، ترجع في أصولها إلى كنائس وشركات ومصانع.

حشود

لاقت الجهود الأولى إقبالاً جماهيرياً من عمال المناجم والمطاحن والمصانع، وبدأت الحشود في التجمع لمشاهدة المباريات، واندلعت المنافسة بين الأندية، حتى صار من الطبيعي دفع رواتب لأمهر اللاعبين، وهو ما كان محظوراً في البداية، كان الاتحاد يسعى جاداً لحماية كرة القدم من استيلاء الروح التجارية عليها.

بعد تأسيس الفيفا عام 1904 وضع الاتحاد فاصلاً بين الرياضة والتجارة، ونصت إحدى قواعده السبع على أنه: «لا ينبغي السماح لأي شخص بترتيب المباريات بغرض تحقيق ربح شخصي»، وكان أن انتقل مقر الفيفا إلى سويسرا عام 1932 بعد أن غرق في أزمة مالية، ولمدة 22 عاماً أدار الفيفا شؤون الكرة العالمية، ونظم كأس العالم، من غرفتين فقط في مبنى إداري في أحد شوارع زيوريخ.

ديفيد كون له أربعة كتب: «تجارة كرة القدم»، «اللعب النظيف في التسعينات»، «اللعبة الجميلة.. البحث عن روح كرة القدم»، و«الثراء الفاحش.. كرة القدم الحديثة والنمو»، وتركز تلك الكتب على تأثير المال على كرة القدم الإنجليزية الحديثة، بالإضافة إلى هذا الكتاب، وهو رحلة في تلك التناقضات الجنونية، التي ينطوي عليها أي عمل، يحقق في الأزمات المعاصرة لكرة القدم، على نطاق عالمي، عن عدد الأشخاص الذين يجنون الكثير من المال، من وراء اللعبة، لا يقارن بعدد كبير ممن يعملون من أجل اللعبة، لأنهم يحبونها.

مخبأ حصين

بعد 73 عاماً من التأسيس انتقل الفيفا إلى مقره الحالي، الذي يبدو حصيناً، فوق تلة وسط أراض، تنتشر فيها ملاعب كرة قدم واسعة، وتزينه أعلام الدول الأعضاء، والحدائق التي جلبت نباتاتها من ست مناطق عالمية، وقد اكتسب مسمى «المخبأ» من طبيعة المكان حوله، فهو مثل عش في قلب مساحة خضراء هائلة، ومن أجل بناء هذا المقر أنفق الاتحاد 240 مليون فرنك سويسري من ثروات الفيفا، التي يجنيها بشكل أساسي من بيع حقوق التليفزيون والتسويق لبطولاته الحديثة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"