أمريكا والصين و«لحظة سبوتنيك»

21:41 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي

في خطابه أمام الكونجرس الأمريكي في 28 إبريل بمناسبة مرور مئة يوم على توليه الرئاسة، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالقول: «نحن في منافسة استراتيجية مع الصين ودول أخرى للفوز بالقرن ال 21.. الصين ودول أخرى تقترب منا بسرعة، علينا تطوير منتجات وتقنيات المستقبل والسيطرة عليها: البطاريات المتقدمة والتكنولوجيا الحيوية ورقائق الكمبيوتر والطاقة النظيفة». 

وحَذَّرَ الرئيس الأمريكي من أن الصين جادّة تماماً في محاولاتها الرامية إلى اكتساب مكانة القوة الأكثر أهمية في العالم. وواضح أن هدف بايدن الحفاظ على ريادة أمريكا التكنولوجية وهو أمر بالغ الأهمية في واشنطن، وهو أمر يتطلب الاستثمار في رأس المال البشري فضلاً عن البحث والتطوير. وقد اقترح بايدن كلا الأمرين. فهو أطلق ما وصفه بأنَّه برنامج استثماري فيدرالي أمريكي تاريخي من شأنه أن يضع البلاد في وضع يسمح لها بالفوز بسباق الابتكار العالمي، وبايدن يتعامل مع المنافسة مع الصين على أنها «لحظة سبوتنيك». حيث في خمسينات القرن العشرين، استخدم الرئيس دوايت أيزنهاور صدمة نجاح الاتحاد السوفييتي في إطلاق القمر الصناعي لحفز الاستثمار الأمريكي في التعليم، والبنية الأساسية، والتكنولوجيات الجديدة.

ومن الأشياء القليلة - في ظل الاستقطاب السياسي الأمريكي - التي يتفق عليها الغالبية العظمى من الأمريكيين هو أن القيادة الأمريكية بأساس تنافسي يمكنها من ضمان تأمين الميزة العسكرية ودفع الاقتصاد، وتحسين مستوى المعيشة. وإن استدامة هذا المستوى الذي يصبون إليه يتطلب استثمارات فيدرالية ضخمة وقوية في البحوث التطبيقية والأساسية، وتعزيز التعليم الفني والتكنولوجي والهندسي والرياضيات للتمكن من انجاب مكتشفين ومخترعين ومقاولين ويد عاملة من ذوي المهارات العالية وضرورة الالتزام القوي بإعداد المعلمين في التعليم الأساسي وتعويضهم، وتجهيز المدارس بشبكة اتصالات واسعة ووسائل تعليم عالية التقانة، مع فتح المختبرات القومية الأمريكية أمام شركات تجارية، وتعزيز البحث والتنمية والتطوير في القطاع الخاص. ولحظة سبوتنيك تنبع من إدراك بايدن والنخبة الأمريكية أن الصين أصبحت قوة تكنولوجية من الطراز الأول سواء من ناحية الكم والنوع. 

ويقدر صندوق النقد الدولي أنه بحلول عام 2026، ستكون الصين قد تجاوزت الولايات المتحدة في الإنفاق على الأبحاث والتطوير. فلديها أكثر من 5 ملايين شخص يعملون في مجال الأبحاث والتطوير، وتُخرّج أكثر من 1.6 مليون خريج من المتخصصين في مجال العلوم والتكنولوجيا، وتحتل المرتبة الثانية في التصنيف العالمي للدول ذات المواد العلمية المذكورة، وتأتي بعد الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة.

وسبق أن اعتمدت الصين الخطة الخمسية الثالثة عشرة للتكنولوجيا لعام (2016-2020)، وهذا العام أقرت الصين خطتها الخمسية للتنمية الاقتصادية، والخطة الرابعة عشرة من نوعها، والأهداف طويلة المدى لعام 2035. وأعلنت الصين عن سياسة لزيادة الإنفاق على البحث والتطوير بأكثر من 7% سنوياً بهدف تحقيق الاعتماد على الذات تكنولوجيّاً. 

في عام 2015، أعلنت الصين عن خطتها الاستراتيجية الوطنية المسماة «صُنع في الصين 2025»، والتي تسعى إلى التحول إلى قوة تصنيع عالمية بحلول عام 2025. لكن الولايات المتحدة والدول الأوربية ادّعت أنه تم تصميم تلك الخطة لحماية الشركات الصينية من خلال الإعانات الحكومية المشوّهة للسوق، واتهمت الصين بانتهاك التزاماتها تجاه منظمة التجارة العالمية. على ما يبدو، تم أخذ ذلك النقد في الاعتبار، ركزت الصين على العلوم والتكنولوجيا هذه المرة، بدلاً من التصنيع.

ويبدو أن بكين تستعد بنشاط لمعركة مع واشنطن على السيادة العالمية. فخلال اجتماعات مارس هذا العام، أعربت الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، والدورة السنوية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، عن التزامها برعاية تقنيات الجيل التالي الأساسية المتعلقة بأشباه الموصلات والبطاريات. كما كشفت عن خطة للاستثمار في سبعة مجالات عالية التقنية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية. 

ومن جانبها، تضغط الولايات المتحدة على حلفائها للانضمام إلى حملة استبعاد الصين من سلاسل التوريد العالمية للصناعات المستقبلية. لكن بكين تسعى إلى إحباط تحرك الولايات المتحدة من خلال التطور التكنولوجي وممارسة تأثير أكبر على الصناعات العالمية. 

كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"