عادي

تعرف إلى أشهر قصر للأحلام في الأدب

14:15 مساء
قراءة دقيقتين
إسماعيل كاداريه

مارك عليم شاب في الثامنة والعشرين من عمره، تدرج في عدة وظائف داخل مؤسسة «سرايا طابير»، المكان المنوط به تحليل أحلام ملايين البشر الذين يقطنون في أرجاء الإمبراطورية العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر.
«سرايا طابير»، مكان مخيف أسسه السلطان العثماني، ويرعاه بنفسه، لكن لماذا؟ في لحظة تاريخية فارقة عندما وطأت جحافل العثمانيين «سهل كوسوفو» في القرن الرابع عشر، واجتاحوه، وناموا ليلتهم، استيقظ أحد الجنود فزعاً ليخبر مولاه السلطان بحلم مزعج رآه، فمع هزيمة البلقانيين وفي عز احتفال السلطان بنصره، قام قواده بذبحه، ثم استدعوا أحد أبني السلطان ليقتلوه بدوره لتخلو الساحة للابن الآخر، الذي لا يتورع عن ارتكاب مذابح بشعة بدوره في أهل كوسوفو، لكن هذا الحلم لم يلبث أن تحقق على أرض الواقع، من هنا اكتسب الحلم، بصفة عامة، قداسته على مدار قرون، وعلى هذا الأساس نشأت «سرايا طابير»، فربما يكون مفعول حلم واحد أقوى من جيش إمبراطوري جرار.
«سرايا طابير»، كما يرسمها الروائي الألباني إسماعيل كاداريه في روايته «قصر الأحلام» بناء يشبه المتاهة، وعلى الرغم من قضاء مارك عليم سنوات يعمل في هذا البناء، فإنه لم يستوعب خريطته أبداً، كل مرة يصور كادرايه بطله وهو يمشي في البناء، ينقل إلينا بمهارة أحساس وهمي بأننا ضللنا الطريق مع البطل، لا لافتة ترشد الضائع، والبناء مصمم بأسلوب حلمي، حتى أصاب عليم الضجر والخوف والغضب. العمل داخل البناء هرمي، وفي الخلفية هناك قسم يضم المئات من الموظفين الذين يستقبلون آلاف الأحلام المكتوبة يومياً من مراكز جمع الأحلام التي تصل إلى 1900 مركز تغطي جميع أنحاء الإمبراطورية، وهناك قسم الفرز، الذي يغربل فيه الموظف الأحلام حسب الأهمية، لكن لا يستطيع الموظف أن يكتب على أي حلم «أنه لا يصلح»، فهناك موظف آخر يدقق وراءه ليراجع عمله موظف ثالث وهكذا.
إذا أجمع كل هؤلاء الموظفين على أهمية حلم ما يرسل إلى قسم التفسير، وإذا بدا لهم أن الحلم يتسم بالسطحية أرسل إلى قسم الأرشيف، وهذا الأخير يتضمن عشرات الحجرات والأروقة، ويتوزع على أقسام غريبة، فهناك أحلام أثرية: «40 ألف حلم» توقف أمامها المفسرون منذ عشرات السنين وحللوا رمزيتها، لكنهم لم يصلوا إلى شيء، وهناك أحلام السلاطين، وأحلام الطوائف وأحلام العبيد، والأحلام موزعة حسب الجنسية، وتوجد أحلام سعيدة تقع غربي الإمبراطورية، وأحلام تعيسة تقبع في مركزها وشرقها، وأحلام الهذيان، وأحلام الأمم التي تعرضت لمجازر، وأحلام الحروب والأحلام الاقتصادية والمؤامرات والانقلابات الفاشلة، وأحلام الأعداء.
يرسل ملايين البشر إلى القصر أحلامهم كل يوم، تداعبهم السلطة بالمكافأة، فإذا أدى الحلم إلى وقوع حدث جيد، أو منع كارثة، فإن السلطان ينعم على صاحب الحلم بثروة وربما بمصاهرة، ولذلك يتكالب الناس على الوصول بحلمهم إلى «سرايا طابير»، وهو ما يفتح الباب للفساد والأساطير التي تضرب جنبات المكان، وهناك بعض الكوابيس التي لا يفهمهما المئات من الموظفين، ويستطيرون منها شراً، فيستدعى أصحابها للحصول على اعترافاتهم الحقيقية في ما يتعلق بها، و تؤخذ الاعترافات بالقوة وبالتعذيب، لكن هذا نادر الحدوث حتى لا يخاف الناس ويتوقفون عن إرسال أحلامهم طواعية.

قصر الأحلام
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"