هواجس تربية الأجيال

00:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

لم يتوقف المفكرون التربويون وواضعو المناهج الدراسية، في الماضي والحاضر، عن التفكير في تنشئة الأجيال وإعدادها، وسيواصلون هذا التفكير ووضع النظريات والمناهج التربوية والنفسية في المستقبل. ومن الطبيعي أن تستمر الجهود ولا تستقر على منهج واحد، نظراً لاختلاف الأجيال والبيئات واللغات والثقافات والمعارف، بل وحتى الأدوات، مع بروز وسائل ووسائط باتت تشكل تحدياً للتربويين وتنافسهم في تشكيل وعي الأجيال وسلوكهم وتوجهاتهم ومنطلقاتهم، ولهذا، أضحت مهمة المفكرين التربويين الاستراتيجيين صعبة وأمام تحديات كثيرة، لا سيّما أن الآفاق انفتحت أمام الأجيال الأخيرة على طرح الأسئلة، منها ما يتعلق بالوجود ومنها ما يختص بالأخلاق وأخرى بالأديان، وما يتعلق بمظاهر سكت عنها المجتمع سنوات طويلة، وظهرت فجأة تتحدى الأفكار الثابتة والاتجاهات النمطية والرؤى الأحادية للأشياء، ما جعل الحوار مع الأجيال الحالية أكثر صعوبة. بل إن المفكرين أنفسهم، وليس بالضرورة في البيئة العربية، باتوا يطرحون أسئلة مهمة من قبيل: ما هي الهيئة التي نريد للأجيال أن تكون، وأعني الهيئة الخارجية، وهل من الضروري تربيتهم وفق مبادئ دينية وإشغال عقولهم الصغيرة بمعضلات الخلق، والسؤال الأكثر تحدياً ربما هو: هل نعلّم الأجيال الصاعدة الحديث في السياسة أو نسمح لهم بتداول الأخبار والتحليلات، خاصة وأنهم باتوا يعيشون في عالم أشبه بغابة أخبار وصور فوتوغرافية وأخرى متحركة، وهل يجب إدخال ثقافة ما في المناهج طالما أن العالم بات مفتوحاً وبلا أقفال؟

قد تصدم هذه الأسئلة التربوي التقليدي لأنه لا يزال يعتقد بإمكان صياغة الشخصيات ذات الصلة بالأجيال الصاعدة وفق ما يشتهي، وهو اعتقاد خاطئ، لأن الزمن تجاوز المحاور التقليدية للمناهج التربوية، وأدخلها منذ زمن في المختبرات، وأخرجها محاور أخرى تتمحور حول الأسئلة التي طرحنا، والتي لا يزال النقاش بشأنها يدور في أكثر المجتمعات تقدماً واختلافاً، لكنهم توصلوا إلى نتيجة واضحة وثابتة وأشبه بالنظرية العلمية، وهو أنه لا يستطيع التربوي مهما كان عبقرياً أن يصنع جيلاً عن طريق التلقين، لأن الأفراد ببساطة يختلفون في الجينات والبيئات والتنشئة، والعامل الوراثي قوي إلى درجة يصعب فيها وقفه أو تحويله أو السيطرة عليه، فكم من أب كان يصطحب أبناءه منذ الصغر إلى مكان ما، إلا أنهم عندما كبروا وأصبحوا أحراراً في التفكير والاختيار اختاروا طريقاً آخر، ليس بالضرورة أن يكون معاكساً لاختيارات الأب إلا أنه جاء مختلفاً، وهذه النظرية هي ما حدت بالتربويين إلى الابتعاد عن التلقين الأخلاقي والقيمي ومحاولة غرس ثقافة السلوك الحضاري، أي تمدين الأجيال للعيش في مجتمع يسوده النظام، وهي النظرية ذاتها التي طبقتها التجربة اليابانية حين ركّزت في السنوات الأولى للطفل في المدرسة على السلوك وتهذيب التعامل وغرس احترام القانون والآخر والملكية العامة، وبعدها تبدأ بالتركيز على المواد التعليمية.

هذا العصف الفكري لا يعني التوقف عن غرس القيم الفاضلة والنبيلة في الأجيال الصاعدة، أو تعليمهم الخطوط العريضة لمعتقداتهم، إنما الابتعاد عن الإجبار وممارسة القوة في الإقناع، أو ممارسة الترهيب والوعيد، فهذه أساليب أثبتت فشلها تماماً، والأمثلة كثيرة.

بناء على ما سبق، فإن الانشغال بالتفكير بأجيال المستقبل لا يعطي النتيجة المرجوة، والبديل هو الانشغال بالأجيال الحالية لأنها نواة رجال المستقبل، فإذا انسجمت الأجيال أصبح بالإمكان توفير المناخ لبيئة حضارية تدرك الاستعدادات الفطرية والخريطة الوراثية للإنسان، وبناء نظرياتها التربوية عليها، التي لا يجب تطبيقها على الجميع، والوضع في الحسبان دائما أن هناك اختلافاً بين الأفراد.

وعي الأسرة جدير بالانتباه إليه ونحن نضع الأطر التربوية للأجيال الحالية، فمن هنا يبدأ تكوين الشخصية. والحديث ذو شجون..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"