سباق الإمساك بمفاتيح قيادة تصنيع أشباه الموصلات

00:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي *

أجبرت أزمة نقص إمدادات الرقائق الإلكترونية المستخدمة في تصنيع السيارات، أغلب الشركات العالمية، بما فيها الشركات الأمريكية على خفض إنتاجها خلال الأشهر الأخيرة. وآخرها قرار شركة «تويوتا موتور» تعليق عملياتها في مصنعها بجمهورية التشيك لمدة أسبوعين بسبب نقص الرقائق، وهو أحدث توقف للإنتاج في شركة صناعة السيارات اليابانية بسبب اضطرابات سلسلة التوريد. كما ذكرت تقارير إعلامية، أن شركة فورد موتور ثاني أكبر منتج سيارات في الولايات المتحدة ستخفض إنتاجها من الشاحنة الخفيفة الأكثر مبيعاً لديها إف - 150 بسبب نقص الرقائق الإلكترونية المستخدمة في تصنيع الشاحنات. وتستخدم أشباه الموصلات استخداماً كثيفاً في السيارات، لوظائف مثل مراقبة أداء المحرك، وإدارة التوجيه أو النوافذ الكهربائية، وفي حساسات التوقف، وأنظمة الترفيه.

ويشتد التنافس العالمي على الهيمنة في صناعة أشباه الموصلات، في هذا الوقت الذي يقتحم فيه العالم الثورة الصناعية الرابعة؛ حيث تتدافع الدول في جميع أنحاء العالم لتعزيز صناعات أشباه الموصلات الخاصة بها؛ حيث تقوم الولايات المتحدة وتايوان والصين واليابان باستثمارات ضخمة في هذا القطاع لتأمين القدرة التنافسية للمنتجات المستقبلية؛ حيث أدى النقص العالمي في أشباه الموصلات إلى زيادة الطلب على الرقائق وتوضح بعض الإحصاءات أنه قبل وباء كورونا، كان من المتوقع أن تنمو صناعة الرقائق بنسبة 5% على مدى خمس سنوات، والآن تسارعت لتنمو بمعدل ضعف هذا المعدل. وأن نحو ثلث الاستثمار سيأتي من عملاء يسعون إلى تأمين المعروض على مدى سنوات، وتتوقع دراسات غربية زيادة بنسبة 20% في الإنتاج العام المقبل، بعد زيادة متوقعة بنسبة 13% عام 2021. 

وتخشى العديد من البلدان من أنها قد تفشل في التعامل مع الثورة الصناعية الرابعة بشكل صحيح بسبب نقص الرقائق الناجم عن الجائحة. وقد دفعت تلك المخاوف إلى تحديد هدف للسيطرة على سوق أشباه الموصلات بشكل مستقل. وكانت الولايات المتحدة هي التي بدأت هذه الحملة؛ حيث تعمل الولايات المتحدة على قيادة تكنولوجيا تصنيع أشباه الموصلات وأعلنت أنها تملك العديد من مفاتيح مستقبل تكنولوجيا تصنيع أشباه الموصلات، وأنها ستسعى على أهمية إبقاء تلك السلاسل من الإمدادات الحساسة آمنة. في إطار التنافس بين الدول التي تعتبر رقائق الكمبيوتر أصولاً للأمن القومى ذات أولوية قصوى.

فمع تسارع وتيرة التحول الرقمي منذ اندلاع وباء كورونا، ظهرت أشباه الموصلات كمسألة أمنية عالمية، كما أصبحت معياراً لتقييم القدرة التنافسية الوطنية. و ترى عديد التحليلات أن الولايات المتحدة تهدف إلى إنشاء تحالف لأشباه الموصلات، مناهض للصين، بقيادتها. 

وهناك إدراك جديد حول الأهمية التي تلعبها أشباه الموصلات في هذا الصراع الجيوسياسى، لأن هذه الرقائق تقف وراء كل تقنية في هذا العصر الحديث. لذلك، فإن هذه تمثل محاولة لتقوية الجهود المتعلقة بهذه الميزة التكنولوجية النسبية التي تتمتع بها الولايات المتحدة وشركاؤها الديمقراطيون. وتعمل الولايات المتحدة على فرض ضغوط على الشركات الكبرى في الدول الحليفة لها، لضخ استثمارات ضخمة في الولايات المتحدة من منطلق قلقها من أن حصة الدول الآسيوية، بما في ذلك تايوان واليابان وكوريا الجنوبية، من إجمالي حجم إنتاج أشباه الموصلات العالمي، تبلغ 72%، فيما تبلغ حصة الولايات المتحدة 13% فقط. فحتى عام 1990، شكلت الولايات المتحدة 39% من مبيعات أشباه الموصلات العالمية و 37% من الإنتاج. 

وفي عام 2019، زادت حصة الولايات المتحدة من مبيعات الرقائق إلى 47%، لكن حصتها في الإنتاج انخفضت بمقدار الثلث إلى 13%. ونظراً لأنها أصبحت أكثر اعتماداً على شركة «تى إس إم سى» التايوانية في الإنتاج، و قد أقر الكونجرس الأمريكي قانون «الشرائح الإلكترونية من أجل أمريكا الذي سيوفر 52 مليار دولار لصناعة أشباه الموصلات المحلية لمدة خمس سنوات. وهي خطوة كبيرة لزيادة إنتاج الرقائق داخل الولايات المتحدة والهيمنة على سوق أشباه الموصلات، كما تخطط الولايات المتحدة لتطوير الجيل التالي من تكنولوجيا أشباه الموصلات. و هو يمثل إحدى الخطوات المهمة التي اتخذها الكونجرس الأمريكي منذ عقود للوقوف في وجه القوة المتنامية لبكين. واعتبر ذلك القانون «لحظة في التاريخ تنظر إليها الأجيال القادمة على أنها نقطة تحول للقيادة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين».

كما أن الصين تخطط منذ سنوات لأن تكون رائدة في إدارة شبكة توريد أشباه الموصلات، فوفق دراسات غربية تنفق الصين أكثر من مئة مليار دولار لهذا الغرض. وهي تهدف إلى تحقيق 70% من الاكتفاء الذاتي في قطاع أشباه الموصلات حتى عام 2025 من خلال ضخ استثمارات ضخمة وتطوير التقنيات اللازمة. وقد تحولت من صنع صفر إلى 16% من الرقائق العالمية. إنه سباق محموم للإمساك بمفاتيح قيادة تكنولوجيا تصنيع أشباه الموصلات.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"