عادي

الانتخابات العراقية.. مكانك راوح

23:31 مساء
قراءة 4 دقائق

د. أحمد سيد أحمد *

لم تحدث الانتخابات العراقية التي جرت في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول تغييرات جذرية في الخريطة السياسية، أو المشهد السياسي العراقي، يمكن أن تساهم في الخروج من حالة الانسداد السياسي التي تعيشها، وفرصة نحو إحداث تغيير كبير في ما يتعلق بالطبقة السياسية المسيطرة على المشهد السياسي منذ عام 2003 وتغيير المعادلة السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية.

ربما يعود العامل الأساسي في عدم حدوث تغيير سياسي عبر الانتخابات الأخيرة هو نسبة المقاطعة الكبيرة من جانب الشعب العراقي، حيث تمثلت نسبة المشاركة، وفقاً لما أعلنته المفوضية المستقلة للانتخابات، 41% وهي أقل من نسبة المشاركة في انتخابات 2018 والتي وصلت إلى 44,5%، ما عكس حالة من الإحباط لدى قطاع كبير من العراقيين في عدم إمكانية حدوث تغيير عبر الانتخابات، وعدم الثقة في العملية الانتخابية وجدواها ورفضاً لسيطرة وهيمنة التكتلات والأحزاب السياسية التقليدية على المشهد السياسي، وبالتالي قاطع ما يقارب 60% ممن لهم حق التصويت الانتخابات في رسالة احتجاجية ضد العملية الانتخابية وضد الطبقة السياسية. وهنا كان يمكن لقوى تشرين(أكتوبر) الاحتجاجية أن تشارك بفاعلية في الانتخابات وأن تختار العناصر الأكفأ ومرشحي قوى وأحزاب تشرين وإسقاط مرشحي الأحزاب السياسية التقليدية. العامل الآخر هو المال السياسي والسلاح المنفلت وامتلاك التكتلات السياسية التقليدية المال والتأثير والنفوذ والأدوات الإعلامية للحفاظ على مكتسباتها.

تغييرات داخل الخريطة التقليدية

رغم المقاطعة وتدنى نسبة المشاركة إلا أن نتائج الانتخابات أحدثت بعض التغييرات المهمة على مستويات عدة:

* الأول: لأول مرة ينجح المستقلون وبعض مرشحي أحزاب وتكتلات تشرين، مثل «حركة امتداد»، وغيرها، في الحصول على عدد من مقاعد البرلمان وصل إلى نحوا 20 مقعداً، وفقاً للنتائج الأولية، وهو رقم مهم يمكن أن يشكل نواة مهمة لمعارضة سياسية قوية داخل البرلمان، ويمكن زيادته في الانتخابات المقبلة، وهذا تطور نوعي مقارنة بالانتخابات السابقة، ويعطي الأمل في إمكانية تغيير الخريطة السياسية، خاصة في ظل قانون الانتخابات الجديد الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة.

* الثاني: التغيير داخل التكتلات التقليدية، حيث شهدت الانتخابات، وفقاً للنتائج، صعود بعض القوى والتكتلات السياسية وتراجع البعض الأخر، فبالنسبة للأحزاب الشيعية فقد احتفظ التيار الصدري بالصدارة في الانتخابات ورفع عدد مقاعده من 53 مقعداً في انتخابات 2018، إلى 73 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، ما يعزز موقعه داخل البرلمان ويزيد من فرصه في تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء. كما نجح «ائتلاف دولة القانون» بقيادة نور المالكي في الحصول على المرتبة الثالثة، بنحو 37 مقعداً، بعد أن كان في المرتبة الرابعة في الانتخابات السابقة، لكن في المقابل تراجع «تكتل الفتح» (الذي يمثل فصائل الحشد الشعبي) بقيادة هادي العمري بشكل كبير حيث خسر 70% من مقاعده بعد أن كان في المرتبة الثانية في الانتخابات السابقة، كذلك تراجع بشكل حاد «تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، و«تكتل النصر» بزعامة حيدر العبادي، وفقدا 90% من مقاعدهما. وقد عكس ذلك التراجع لتيار الفتح والنصر التصويت العقابي من جانب الناخبين للأحزاب المرتبطة بميليشيات مسلحة بعد تحميلها المسؤولية عن استهداف النشطاء والمحتجين وتدهور أوضاع البلاد، ورفضاً لانتشار السلاح المنفلت.

وفى الجانب السنّي تقدم «حزب تقدم» بقيادة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان السابق، ليحل في المرتبة الثانية بنحو 40 مقعداً، بينما حصل خميس الخنجر رئيس «تحالف عزم»، على 15 مقعداً، ما يجعل للحلبوسي دوراً مهماً في اختيار رئيس الوزراء والحفاظ على رئاسته للبرلمان. وفي الجانب الكردي حافظ الحزب الديمقراطي الكردستاني على تقدمه بأكثر من 30 مقعداً، بينما تراجع الاتحاد الوطني.

تداعيات سياسية وأمنية

أدت نتائج الانتخابات إلى تداعيات سياسية وأمنية مهمة تزيد من تعقيد المشهد العراقي:

* أولاً: في ما يتعلق بتشكيل الحكومة فقد فتحت الباب أمام لعبة التحالفات المعقدة بعد تراجع بعض القوى السياسية الشيعية مثل الفتح، فقد أعلن الصدر قبل الانتخابات أن رئيس الوزراء القادم يجب أن يكون صدرياً، باعتباره صاحب الكتلة الأكبر، بسيناريو التحالف مع حزب تقدم والحزب الديمقراطي الكردستاني لتشكيل الحكومة وتأمين المقاعد لمطلوبة، 165 مقعداً، وهذا السيناريو يواجه بتحديات، في ظل العرف السياسي بأن يكون اختيار رئيس الوزراء عبر التنسيق داخل البيت الشيعي، وبالتالي ربما يقوم التحالف المضاد الذي يضم ائتلاف دولة القانون والفتح بقطع الطريق على التيار الصدري، ما قد يعقد من عملية اختيار رئيس وزراء وتشكيل الحكومة، كما حدث في الانتخابات السابقة، كما أن استمرار رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي أحد الاحتمالات البارزة.

* ثانياً: أعلنت بعض القوى السياسية التي تراجعت في الانتخابات عن رفضها لنتائج الانتخابات ووصل الأمر إلى حد الاتهام بتزوير الانتخابات وتضارب النتائج التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، حيث إنه وفقاً للقانون الانتخابي أعلنت النتائج الأولية بعد 24 ساعة، وبعد الاعتراضات اضطرت المفوضية إلى تأجيل إعلان النتائج لحين الانتهاء من عمليات الفرز اليدوي لكل الدوائر، أو المحطات،. كما أن بعض القوى السياسية، مثل «حزب الله العراقي»، هددت بالنزول إلى الشارع والاعتصام احتجاجاً على نتائج الانتخابات ومن ثم قد يزيد ذلك من سخونة المشهد السياسي والأمني، وبالتالي زيادة حالة الإرباك والتنافس السياسي بين الكتل السياسية داخل البرلمان، والصراع حول تشكيل الحكومة وسعي كل طرف لبناء التكتل الأكبر داخل البرلمان.

* ثالثاً: إن استمرار الأحزاب والتكتلات السياسية التقليدية نفسها وسيطرتها على المشهد السياسي، رغم بعض التغيرات في أوزان تلك القوى داخل البرلمان، يعني استمرار حالة الرفض والاحتجاجات والتظاهرات في الشارع العراقي، خاصة من قوى تشرين، وعودتها للشارع، وبالتالي الاستمرار في الدوامة السياسية نفسها التي تسود منذ عامين، ما يمثل عائقاً أمام تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والتحرك إلى الأمام.

لم تؤد الانتخابات العراقية إلى التغيير المنشود، ورغم أنها جرت بنزاهة وشفافية وبمراقبة دولية وإقليمية، إلا أن نتائج الانتخابات ودعاوى التشكيك والتزوير تزيد من تعقيدات الشهد السياسي، وزيادة حدة الاستقطاب الداخلي والخارجي خاصة في ما يتعلق بمفاوضات تشكيل الحكومة ما يجعل كل السيناريوهات مفتوحة.

* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"