حرية التعبير والتعبير الحر

00:59 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

حرية الرأي مصطلح غارق في القدم، ويكاد يعود إلى القرون الوسطى في بريطانيا، حين استلم الملك وليام الثالث الحكم وأصدر قانوناً يسمح بحرية الكلام داخل البرلمان، بعد ثورة أطاحت بالملك جيمس الثاني، قبل أن تقدم الأمم المتحدة تعريفاً له في البند 19 من مبادئها، وكان شاملاً غير دقيق؛ إذ منح كل فرد الحق في إبداء رأيه من دون تحديد أهلية هذا الفرد وثقافته ومكانته واختصاصه وقدرته على صياغة رأيه، ومن دون أن تربطه بالمجتمع.

واجتهد المفكرون في ما بعد فقالوا إن حرية الرأي حق لكل من يستطيع التعبير عن رأيه وتكوين رأي تجاه الموضوعات الحياتية والسياسات العامة والشأن الثقافي، واشترطوا الموضوعية وصدق مصدر المعلومة وحياديته، ثم قال البعض إن هذا الرأي الذي يكوّنه الفرد يجب أن يصب في صالح الناس وتطوير المجتمع ولا يتعارض مع القوانين العامة، والقانون العام مصطلح شامل، لكنه يحرص على سلامة المجتمع وأمنه واستقراره.

وفي ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وإتاحتها الفرص للناس للدخول وفتح صفحات ومدونات بأسماء حقيقية ووهمية أحياناً، أصيب مبدأ حرية الرأي بانتكاسة تاريخية وعلمية وحضارية، وخرج عن كونه حق من حقوق الإنسان يهدف إلى صون كرامته والدفاع عن فكره، نحو التشهير ودس الأكاذيب واختلاق الموضوعات والأحداث والأخبار ونشر الإشاعات المغرضة وغيرها من الوسائل التي تتعارض وأخلاقيات حرية الرأي؛ بل باتت اللغة المستخدمة في التعبير عن الرأي لغة سوقية أقرب إلى الردح منها إلى إبداء رأي حقيقي ومحترم، فاختلط الحابل بالنابل، وبات من الصعوبة بمكان التفريق بين الأسماء الحقيقية والوهمية، وبين الأخبار الكاذبة والواقعية؛ بل إن البعض لجأ إلى المقالات التحليلية ليدس السم في الدسم، ويختلق أحداثاً وقصصاً تخدم توجهاته، حتى يبدو ويظهر للبعض بأنه يلتزم الصدق والموضوعية، بما أنه بذل جهداً في تسويد صفحات كثيرة ومقالات طويلة. وقد لجأت مؤسسات استخبارية إلى هذا الأسلوب في إطار حملاتها ضد دول أو أفراد وانتهجت النهج ذاته، وأصحاب المعرفة والضليعون بالأساليب الإعلامية والكتابة فقط يستطيعون كشف الحقيقي من المدسوس.

العالم اليوم يضج بالأحداث والنزاعات والصراعات والتحالفات، وعلى الرغم من أن سلاح الإشاعة كان يستخدم في الحروب كعامل نفسي يؤثر في معنويات العدو أو الطرف الآخر، فإن الوعي في الجبهة المقابلة كان يكتشف ويميز الحقيقة عن الكذب. أما اليوم، فإن هذا المدى الافتراضي المفتوح أصبح يشكل عبئاً كبيراً على الناس والحكومات، وأصبح كل طرف يبذل جهداً مضاعفاً للتصدي للحملات؛ بل تم تشكيل إدارات خاصة لذلك، وهو عمل باهظ التكاليف مادياً وعصبياً ونفسياً ووطنياً، لكن للضرورة أحكام. وعلى الرغم من قيام بعض الدول في سن قوانين تحد من فوضى (التعبير عن الرأي) وحجب ما تراه مغرضاً، فإنها لا تستطيع التحكم بشكل كامل بكل شيء.

ويمكن الحديث عن تشعبات هذا الموضوع كثيراً ومن دون توقف، إلا أنه لا بد من إعادة النظر في المادة 19 من مبادئ الأمم المتحدة، لأن تلك المادة خلقت فوضى عارمة في المجتمعات ومنحت الحق للجاهل والعالم بالإدلاء برأيه، حتى لو لجأ إلى الشتيمة والكفر والتشهير، بينما الموضوعية تقول إن حرية التعبير ليست مطلقة، شأنها شأن مفهوم الحرية، فلا حرية مطلقة لأنها تتوقف عند حدود حرية الآخر، وكذلك التعبير لا يكون من أي فرد في أي موضوع، فمن يريد التعبير عن رأيه في مسألة ما يجب أن يكون محيطاً بجوانبها كافة، فحرية التعبير تختلف عن التعبير الحر.

من الصعوبة بمكان السيطرة على هذا الأمر لأنه يتعلق بأخلاقيات كل فرد على حدة، طالما أنه بات بمقدور كل فرد تأسيس وسيلة إعلامية للتعبير، لكن العتب على العارفين بحقائق الأمور ويطلقون تصريحات وتغريدات منافية لها، ونعود في هذا الأمر إلى أصل الحكاية وهو: الضمير المهني والأخلاقيات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"