الأخلاق والتنمية

01:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

تُبنى الدول على الولاء والانتماء أكثر من أي عنصرين آخرين، الولاء لرموز الوطن وقادته التاريخيين، ولا نعني بالتاريخيين قادة العصور الغابرة، القائد التاريخي هو من يستجيب لمصلحة الوطن والمواطن في أي مكان وزمان. أما الانتماء فهو التمسك بمبادئ وثقافة وسياسات وحاضر الوطن ومستقبله، وليس في الأمر هنا أي فرض أو إجبار على اتباع سياسات معينة بقدر ما هو مسألة وطنية يلعب فيها الالتزام دوراً مصيرياً، ويقوم الانحياز للحقيقة بدور جوهري.

حين تتوفر هذه الثنائية وتدخل في نسيج ثقافة أي شعب سنراه يحقق التنمية في أجمل تجلياتها، ويسوده الانسجام والتسامح والتآزر، إضافة إلى القيم الأخرى الجمالية والعملية والأخلاقية التي لا تقل أهمية عن المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأهم ما يمكن أن يسوده هو التفاهم والاتفاق والعمل من أجل المصلحة العليا للوطن، والاختلاف يكون بهدف التنافس لتحقيق أفضل المعايير وأكثرها صلاحية، وليس بهدف الوصول للسلطة. فإذا ساد التنازع من أجل السلطة غابت مصلحة الشعب وغابت هموم الوطن وطموحاته، لأن الغاية تصبح فردية بعيدة عن الجماعة.

بناء الأوطان لا يقبل أنصاف الحلول والتوافقات المتضاربة بين الأطراف المتنازعة، ولا تنفصل فيه السياسة الداخلية عن السياسة الخارجية، السياستان تعتمدان على استراتيجية تصب في صورة الوطن في الداخل وفي المسرح العالمي، فإن ساده الانسجام الداخلي كانت سياسته الخارجية حكيمة، وإن ساده التنافر والانشقاق الداخلي كانت سياسته الخارجية متعددة وفقاً للتجاذبات الداخلية التي ستعتمد على تحالفات مع الخارج، وهنا يُفتح باب للاستقطاب وشراء الذمم الذي سيقود إلى الفساد، فإذا ضرب الفساد جزءاً من الوطن سيصيب مفاصله كافة، بمؤسساته وإداراته.

وللفساد وجوه متعددة، ومنها الأحزاب الكثيرة التي يسعى بعضها للتحالف مع الخارج لتحصيل الدعم المالي والمعنوي، والدول التي تعتمد نظام تعدد الأحزاب تجرّم قبول أي تبرعات أو عطاءات أو دعم خارجي، وهناك وجه آخر للفساد يتمثل في الطائفية، التي تُستغل سياسياً، فتسعى الأحزاب المعنية إلى تجذير الطائفية بين أتباعها حتى تصل إلى التشدد والتطرف، وتتحول كل طائفة إلى دولة، وتصبح مصلحتها قبل مصلحة الدولة والوطن، فإذا سادت الطائفية تصبح التعيينات والوظائف في الدولة معتمدة على حصص الطوائف، وهنا يبدأ الفساد الوظيفي بسبب اعتماد الموظف أو المدير على طائفته أو حزبه، فلا محاسبة ولا رقابة، وفي النهاية تتراجع المصلحة الوطنية إلى آخر الأولويات، ويظهر هذا في البنى التحتية المتخلفة، وعدم تقديم مشروعات جديدة، وعدم صيانة المشاريع القادمة، فتبدأ الأزمات بالظهور؛ أزمة في الإنتاج، أزمة في الكهرباء، أزمة في الدواء، أزمة في النظافة، وتتبعها أزمات في التعليم والتربية حتى نصل إلى الأزمات الاجتماعية والأخلاقية، فتزدهر الجريمة، ويغيب القانون، لأن كل طائفة أو حزب يحمي أبناءه ومنتسبيه ومشايعيه، فتنتشر المحسوبية، وهكذا، تفشل الدولة.

التنمية والفساد لا يلتقيان، فحيثما وُجد الفساد وُجد التخلف، وحيثما وُجد تطبيق القانون والشفافية وُجد التطور والأمن والاستقرار والرفاهية، وحيثما وجد الفساد وُجد التمييز العنصري، وصعوبة في قبول الآخر والاعتراف به، وحيثما وُجد الانفتاح على الآخر وُجدت الثقافة الحرة والمنتجة.

هناك نماذج في عالمنا العربي تصلح شواهد ونماذج لما ذهبنا إليه، فالدول التي تتصارع فيها الأحزاب للوصول إلى السلطة شهدت حروباً أهلية قاتلة، راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وتدمير البنى التحتية، والدول التي استقرت سياسياً والتفت حول قيادتها حققت تنمية وازدهاراً كبيرين، وأصبح دخل الفرد فيها ينافس الدول العريقة والغنية بمواردها.

القضية ليست في وجود مال وثروات، القضية في وجود الأخلاقيات والتعامل الراقي بين شرائح المجتمع، القضية في الإعلاء من شأن مبدأ التعاون وقيمة العمل الجماعي وفضيلة التسامح كقيمة إنسانية وإيمانية، القضية في المحصلة قضية إخلاص وولاء وانتماء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"