«إكسبو 2020» والنجاح

21:01 مساء
قراءة 4 دقائق

د. لويس حبيقة *

من يزور «إكسبو 2020 دبي» يقدر حجم الجهد المادي والمعنوي الذي استثمر لبناء هذه المدينة الكبيرة التي تحتوي على إنجازات ورفاهيات مدهشة. زيارة الأجنحة الوطنية ضرورية لتقدير حجم الإنجازات الإماراتية، كما تلك المرتبطة بالدول نفسها. 
هنالك أجنحة ركزت على رسالة الدولة أو المجتمع وأخرى ركزت على الإبداع في تصوير الأوضاع وتقديمها للرأي العام العالمي. 
هذا التنوع في الإنتاج يميز «إكسبو»، فيجعله فريداً ويرفع التحديات لإنتاج مثيل له مستقبلاً. للنجاح والتفوق شروط بل قواعد أساسها الجدية والعمل.
المعلوم أن للإنسان نوعان من الحاجات والرغبات، الأولى مرتبطة بطبيعته البيولوجية والثانية بالذهنية وتدفعه إلى تطوير نفسه وفكره ومحاولة النجاح في الحياة. عندما يكون الإنسان مرتاحاً، ينتج الكثير وتتحسن علاقاته الشخصية والمهنية. 
هنالك عوامل تؤثر في إنتاجية الإنسان وهي معروفة لكننا نتجاهل تطبيقها. يرغب الإنسان في تحقيق إنجازات وأن ينوه بما فعله. طبيعة العمل مهمة، أي مريحة أو شاقة؟ ما هي أوقات العمل والفرص كما الحقوق وبالتالي الواجبات. 
هنالك أيضاً المسؤوليات وتشير التجارب إلى أن تحميل شخص مسؤوليات وإن كانت أعلى من قدراته يدفعه إلى العمل والإنجاز أي يتحدى نفسه والآخرين. ما يهم الإنسان هو كيفية تحسين أوضاعه ضمن الشركة والمؤسسة التي يعمل فيها ليس فقط من ناحية الأجر والمنافع وإنما في المسؤوليات أيضاً. مجموع هذه العوامل يرتبط بعلاقة الإنسان المباشرة بعمله.
أمور أخرى يمكن أن تؤثر سلباً إذا لم تناسب العامل أو الموظف أو حتى الإداري. يهتم الإنسان بسياسة الشركة إذ يجب توضيح الأهداف وكيفية الوصول إليها كما علاقته بمن يرأسه حيث تكون العلاقة شفافة ضمن قواعد المهنية والاحترام. 
إشراف المسؤول على المرؤوس ضروري، لكن يجب أن يتم ضمن الأصول العلمية الواضحة أي نوع من التقييم الدوري المبني على البيانات والمقابلات. كما يقيم الرئيس المرؤوس، هنالك ضرورة بأن يقيم المرؤوسون الرئيس إذ يمكن أن تكون طريقة الإشراف أو الإدارة هي السبب في ضعف الإنتاجية وتدني الأرباح.
من منا لا يهتم بالأجر في المستوى والمقارنة مع الغير في المؤسسة وفي المؤسسات الأخرى المماثلة أو المنافسة؟ من منا لا يهتم بطريقة زيادة الأجر تبعاً للتضخم أو الإنجازات أو ظروف البلد العامة؟ لا شك في أن العلاقات المهنية الشخصية مهمة جداً وتؤثر بشكل مؤكد في الإنتاجية. المنافسة الداخلية مهمة ومفيدة لكن الغضب والحسد والكره الداخلي تضر بالجميع. أما شروط العمل من فرص وأوقات ومكاتب وضمانات وتعويضات وغيرها فهي في غاية الأهمية وتظهر تدريجياً. مجموع هذه العوامل يصف علاقات الإنسان بالبيئة التي تحيطه والتي ربما تدمر نوعية النتائج المحتملة دون أن تؤثر في الكمية.
في كل مجتمعاتنا ننوه دائماً بالشخص الذي يصنع نفسه Self-made person. هل استفاد من العوامل المذكورة أعلاه أم كان محظوظاً؟ هل هنالك من أشخاص تصنع نفسها بنفسها فعلاً؟ يقول المؤلف «مايكل ساندل» إنه ليس هنالك من أشخاص تصنع نفسها بنفسها بل هي حظوظ نتيجة موقع أو تواجد في دول أو أمكنة أو ضمن عائلات لا فضل للإنسان عليها. يقول ساندل إن الإنسان الذي صنع نفسه هو اختراع من قبل الأغنياء أو المحظوظين لتبرير موقعهم والدفاع عنه. كأن يقولوا إن الفقير هو كذلك لأنه كسول أو لم يقم بالأعمال كما يجب أو بالإنتاجية المطلوبة. النجاح العملي لا يكون عموماً مرتبطاً فقط بإنجازات شخص بل بمجموعة عوامل لم يكن للشخص فضل في اختيارها. يقول ساندل إن احترام الإنسان واجب أياً كان موقعه وأياً كانت ثروته. هو ضد المساعدات التي تهين الإنسان ومع الدعم المعيشي المباشر للآجر. هل كان للبناني الأصل Ardem Patapoutian أن يفوز بجائزة نوبل للطب هذه السنة لو بقي كل حياته في لبنان؟ لا شك أن له قدرات كبيرة، إلا أن للموقع الجامعي الأمريكي التأثير الكبير وربما الأهم.
في العالم العربي، التأخير واضح في معظم الأمور المذكورة أعلاه. هنالك مشكلة أساسية في منطقتنا وهي ضعف المؤسسات والقوانين الحديثة التي تحل المشاكل الداخلية بهدوء. لا اقتصاد ناجحاً ومزدهراً من دون قوانين حديثة ومؤسسات فاعلة. نحتاج إلى مؤسسات مستقلة ليس فقط على المستوى الوطني وإنما أيضاً على المستوى الإقليمي كي تتفاعل مع بعضها. نعني بهذه المؤسسات الجامعات، الإعلام، المجموعات المدنية، القضاء وحتى المؤسسات الدينية. 
هنالك عاملان كبيران يجب النظر فيهما:
أولاً: الفساد حيث تقييم غالبية الدول العربية منخفض بالرغم من نجاحات كبيرة في بعض الدول. كي تنجح المنطقة اقتصادياً يجب تطوير مكافحة الفساد والحوكمة والشفافية بشكل متواز، وإلا ستبقى المنطقة في أوضاعها الحالية أي عملياً ضعيفة اقتصادياً. نعاني فجوات كبيرة في الثروات والدخل داخل الدول وفيما بينها تؤثر مباشرة في الأنظمة الصحية العامة وفي قدراتنا للنهوض وفي محاربة كورونا.
ثانياً: نظرية المؤامرات التي أقنعنا أنفسنا بها منذ عقود ولا تزال توجه تفكيرنا تبرير لعدم المسؤولية وعدم القيام بالواجب. «معظم الأمور هي نتيجة مؤامرات» ولا قدرة لنا على المواجهة، بل علينا عملياً الخضوع لأصحاب المؤامرة وهذا مخيف ويبقينا عملياً في أوضاع سيئة. الاتهام بالولاء للخارج سهل في منطقتنا حيث تخوين الغير دون إثباتات لا يخضع للعقاب وبالتالي يستمر. هذه النظريات تخلق أجواء من عدم الثقة بين الحكومات تنعكس على المجتمعات بالرغم من ترابطها أحياناً بعلاقات عائلية واجتماعية قوية.
النجاح ليس صدفة ولا بد من الاستمرار في تقوية البنية الاجتماعية والثقافية. في منطقتنا من السهل نشر الأخبار السلبية والناس يتقبلونها، ومن الصعب تسويق النجاحات حتى عندما تكون كبيرة ومؤكدة. «إكسبو 2020» هو من النجاحات المؤكدة التي تفيد ليس فقط الدول العربية وإنما كل الاقتصاد العالمي.
* خبير اقتصادي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"