الفصل في شهادات الطاقة المتجددة (1-2)

21:24 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *
في البدء كانت آليات خفض الانبعاثات ثلاثاً (منصوص عليها في بروتوكول كيوتو)، وهي: آلية التنمية النظيفة (Clean Development Mechanism – CDM)، وتتعلق بقيام شركات البلدان المتقدمة (37 دولة كانت مطالبة بخفض انبعاثاتها) بتنفيذ مشاريع في الدول النامية واستخدام شهادات الخفض الناتجة عن المشروع في حساب الشركة الدائنة؛ والآلية الثانية هي «التنفيذ المشترك» (Joint Implementation Mechanism)، والتي سمحت لدول أوروبا الغربية المدينة بكميات الانبعاثات، بشراء شهادات التخفيف من بلدان الاقتصادات المتحولة (روسيا وأوكرانيا و12 دولة أوروبية شرقية انضمت إلى الاتحاد الأوروبي) الواقعة في وضع الدائن بالنسبة للانبعاثات؛ والآلية الثالثة هي الاتجار في الانبعاثات (Emission trading). وقد تم تضمين بروتوكول كيوتو مادة (المادة 17)، تم بموجبها السماح بتداول الانبعاثات، بيعا وشراءً، بين البلدان التي لديها وحدات انبعاث فائضة عن السقف المسموح به لها، والبلدان التي لديها عجز في ميزان انبعاثاتها. وبعد انتهاء مفعول سريان بروتوكول كيوتو (من 2008 إلى 2012)؛ وبعد التوصل إلى اتفاق باريس، تراجعت الآليتان الأوليَان لمصلحة الآلية الثالثة بفضل نجاح الدول الأوروبية الغربية التي سعت بقوة، منذ البداية لتسليع الكربون، في فرض المادة السادسة في الاتفاق المكرسة لآلية الاتجار في الانبعاثات. وهكذا، تم إنشاء سلعة جديدة في شكل تخفيضات أو إزالة لانبعاثات الكربون. والربط الحادث هنا بين الانبعاثات والكربون، ناتج عن أن ثاني أوكسيد الكربون هو الغاز الرئيسي للاحتباس الحراري، لذا فإن الناس يتحدثون ببساطة عن التجارة في الكربون، وعن سوق الكربون.

وفي عام 2002، أي بعد نحو خمس سنوات من إنشاء بروتوكول كيوتو في عام 1997، أنشأ الأوروبيون في عاصمة الاتحاد الأوروبي «بروكسل» نظام شهادة الطاقة المتجددة

Renewable Energy Certificate System - RECS، كآلية تطوعية للتجارة الدولية في شهادات الطاقة المتجددة، بهدف حفز التحرك الدولي نحو الطاقات المتجددة. وتضم الهيئة في عضويتها منتجي الطاقة المتجددة والتجار والموردين والوسطاء، أغلبيتهم من أوروبا، إضافة إلى وجود أعضاء من جنوب إفريقيا والولايات المتحدة وكندا، ممن يرغبون إما في الحصول على حساب تطوعي لتداول شهادات RECS مع الجهات الوطنية المخولة بإصدار هذه الشهادات في بلدانهم، وإما يرغبون في التأثير في المستوى الحكومي والتنظيمي في ما يتعلق بتداول الشهادات. وتقوم الهيئة بتمثيل رواد هذا السوق في المناقشات مع الحكومات الوطنية والدولية، وتسهيل أعمالهم وأنشطتهم. حيث تثبت شهادات الطاقة المتجددة RECs أن حاملها يمتلك ميجاواط ساعة واحدة (MWh) من الكهرباء المولدة من مصدر طاقة متجددة. وبمجرد قيام مزود الطاقة بتغذية الشبكة بهذه الطاقة، فإن بوسعه بعد ذلك بيع شهادته المستلمة في السوق المفتوحة كسلعة طاقة. وقد يتم بيع هذه الشهادات إلى كيانات أخرى ملوثة كائتمان للكربون لتعويض انبعاثاتها.

في المقابل، يمكن لمشتري شهادات الطاقة المتجددة RECs بعد ذلك الادعاء بأنه اشترى «طاقة خضراء» من دون أن يفعل ذلك على الإطلاق. وهذا يعني أنه يمكن للشركة الملوثة شراء 100 ميجاوات ساعة من مزود خدمة الطاقة المحلي، الذي يُنتجها على الأرجح في محطات توليد الطاقة بالفحم أو الغاز الطبيعي. وبالتالي يمكنها الادعاء بأنها «تعمل بالطاقة بنسبة 100% من مصادر الطاقة المتجددة». أي أن هذا النظام يسمح للشركات بارتداء الشارة الخضراء بفخر من دون الحاجة إلى تغيير استهلاكها للطاقة بأي شكل من الأشكال. ولذلك، ما إن أدركت الشركات أن شهادات الطاقة المتجددة تسمح لها بالظهور باللون الأخضر من دون أن تكون كذلك في الواقع، حتى أقبلت على شرائها بكميات كبيرة، فكان أن ارتفعت كميتها المباعة بأكثر من عشرين ضعفاً منذ عام 2004.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"