محمد سعيد القبيسي
قادتني الصدفة ذات مرة إلى الجلوس مع شاب وجدته يتذمر من وضعه الراهن، ويشتكي عدم وجود فرص كافية للشباب، ويقارن نفسه بأشخاص يفوقونه سناً وعلماً وخبرة قائلاً: «انظر إلى فلان كيف يركب سيارة حديثة الطراز، وإلى علان الذي يملك فيلا في المكان الفلاني.. إلخ».
الغريب في الأمر، أنه لا همَّ لبعض شباب هذه الأيام سوى مقارنة أنفسهم بآخرين ممن حققوا إنجازات كبيرة، ووصلوا إلى أعلى مراتب التميز، دون أن يدركوا الثمن الذي دفعه الناجحون لقاء نجاحهم.
لهذا سألت الشاب: هل تعلم الظروف والتحديات التي خاضها من تقارن نفسك به حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم؟ وهل تعتقد أن مقارنتك عادلة إذا أخذت بعين الاعتبار الفارق بين سنك وسنه؟ بالتأكيد لم تكن لديه أي إجابة.
هناك أشخاص في هذا العالم عاشوا ظروفاً لا يعلم بها سوى الله سبحانه وتعالى، قد تصل أحياناً إلى قضائهم فترات طويلة من حياتهم دون توفر طعام يكفي حاجتهم اليومية، أو مبيتهم في أزقة الشوارع لسنوات دون مأوى يبيتون فيه. بيد أن كل ذلك لم يقف حائلاً بينهم وبين تحقيق أهدافهم وبلوغ أحلامهم التي وضعوها نصب أعينهم، ووصلوا إليها بعد جهد جهيد وعناء شديد.
خلال مسيرتي المهنية، أنشأت 50 مشروع عمل خاص في مجالات متنوعة، في وقت لم تكن المعلومة فيه متاحة كما هو الحال الآن، ولا أحد مستعد لإعطائك أي معلومات عن أسرار عمله خوفاً من المنافسة، فلم يُكتب النجاح للعديد من المشاريع.
كثير من الناس يعلنون انسحابهم فور فشل مخططاتهم، لكنني لم أستسلم أبداً، بل كنت كل مرة أبدأ من الصفر تقريباً، مستفيداً من خبرة تعلمتها من التجارب السابقة، وجعلتني مع مرور الوقت أكثر حنكة ودراية في كيفية بلوغ ما أصبو إليه، إلى أن حققت الكثير من أعمالي نجاحاً مرضياً، وأصبحت أملك وصفة نجاح أشاركها مع الشباب بين الفينة والأخرى.
في الماضي، كنت أعتقد أنني إذا أردت بدء مشروع فلا بد أن أكون جاهزاً من كافة النواحي، لكن أبي العزيز علمني أنه إذا أردت تحقيق هدف ما، أو النجاح في أي عمل، فعليّ أن أبدأ الخطوة الأولى التي ستقودني إلى مزيد من الخطوات المتتابعة وصولاً إلى حيث أريد، لا أن أجلس منتظراً الظروف المواتية لأنني سأنتظر العمر كله.
لهذا أنصح الشباب اليوم، بالابتعاد عن مقارنة أنفسهم بالغير، والبدء بخطوة صغيرة إلى أن يبلغوا وجهتهم المنشودة. فلا تحسد أحداً، ولا تنتظر لحظة مثالية لن تأتي، بل اخطُ خطوتك الأولى على طريق النجاح.
