الإنترنت لن يكون كبش الفداء

21:18 مساء
قراءة 3 دقائق
1

أندرو سوليفان *

نعيش اليوم في عصر العجائب، إذ إن نصف العالم لديه إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا الممثلة بالإنترنت والتي تدعم صحة الناس وتعليمهم، ويمكن أن تكون شريان الحياة في وقت الكوارث أو المرض، وقد صُممت لتكون متاحة للجميع دون أن يملكها أحد. وسلطت الجائحة الضوء على أهمية الشبكة العنكبوتية وإمكاناتها الخارقة من خلال إجبار العالم على الاتصال عن بُعد، دون تواصل جسدي، وفي الوقت الفعلي.

للأسف، نحن نعيش أيضاً في عصر الخوف والشك، ولا يتطلب الأمر كثيراً من الجهد البحثي للعثور حتى على مزاعم بأن الإنترنت أسوأ من أي وباء أو حرب سابقة. فالإنترنت هو كبش الفداء للعديد من مشاكل اليوم، بما في ذلك الإرهاب، وإساءة معاملة الأطفال، وحتى انعدام الديمقراطية! حتى أن البعض يحمله مسؤولية تدهور القيم المدنية والكياسة، كما لو أن السياسيين الكاذبين أو الخطاب التحريضي لم يكن ممكناً قبل «تويتر» على سبيل المثال.

لقد أظهرت «التقنيات التحويلية» آثاراً بعيدة المدى على المجتمعات والأفراد. ونحن الآن في فترة تغيير اجتماعي تُعزى جزئياً إلى ظهور الإنترنت، لأن الأداة خلقت فرصاً جديدة.

بعض هذه الفرص ذات قيمة اجتماعية، حيث بات بإمكان الأشخاص التواصل بسهولة وبتكلفة زهيدة مع الأصدقاء أو العائلة البعيدة. وبعضها ضار اجتماعياً، جراء انتشار ظاهرة الاحتيال الرقمي لكسب المال. وبعضها غامض اجتماعياً، فالسلطات التقليدية وحراس البوابات الجديدة يفقدون نفوذهم شيئاً فشيئاً أمام المزيد من القنوات الرقمية والطرق للوصول إلى المعلومة.

وفي حين أن العديد من الأضرار التي ينسبها الناس إلى الإنترنت ليست بالجديدة ولا علاقة للتكنولوجيا بها، فإن الحكومات تسعى إلى تنظيم الإنترنت كما لو كانت كذلك. وقبل الخوض في هذه الفرضيات، كان من الأفضل أن يتيقنوا من أنهم ينظمون الشيء الصحيح.

ضع في اعتبارك مشكلة شركات التكنولوجيا العملاقة اليوم وتأثيراتها على التجارة والخطاب العام، وكيف يدعو البعض إلى تطبيق لوائح تنظيمية خاصة عليها عندما تصل إلى رأسمال سوقي معين أو مستوى من الإيرادات. ولم تكن هذه ليست المرة الأولى التي تثار فيها مسألة ضد شركات من هذا الحجم. فبعد أن سيطرت شركة «ستاندرد أويل» على صناعة البترول في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تعاملت الحكومات مع هذه القوة طبقاً لسياسة مكافحة الاحتكار، بدلاً من «سياسة النفط».

يُعرب العديد من الأشخاص أيضاً عن قلقهم بخصوص التدخلات السياسية عبر الإنترنت، سواء داخل بلد معين أو من جهات فاعلة أجنبية. لكن من الإهمال وغير الدقيق تاريخياً أن نعزو هذه الظاهرة بالكامل إلى الإنترنت. إذ شهدت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين ثورات عنيفة في أوقات لم يكن فيها للتكنولوجيا وجود. وقبل وقت طويل من إرسال أي شخص مخطط بيانات «أونلاين»، تدخلت الدول في العمليات السياسية لدول أخرى، كما فعل كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة مراراً خلال الحرب الباردة.

تعتمد النظم السياسية، والديمقراطيات على وجه الخصوص، على الأداء الفعال والشرعية لحكوماتها. ولا يمكن حل مشكلة الاستياء الشعبي من نظام سياسي من خلال التحكم في تدفق المعلومات من الخارج. وهو ما كان صحيحاً تماماً بالنسبة لروسيا قبل عام 1917، عندما كانت المعلومات تُطبع على الورق، تماماً مثلما تتدفق الآن في حزم من البيانات.

الإنترنت هو نظام بيئي نحتاج إلى حمايته، وعند النظر في اللوائح المحتملة فإن أفضل طريقة للمضي قدماً هي إجراء تقييم لتأثيره، يشبه إلى حد كبير الطريقة التي نجري بها التقييمات البيئية أو المتعلقة بحركة السير قبل اتخاذ قرار بشأن إنشاء بنية تحتية جديدة. كما يمكن أن يحدد التقييم ما إذا كان إجراء معين سيفيد أو يضر بالصحة الأساسية للإنترنت.

وفي النهاية، نحن بحاجة إلى ضمان ألا يتحول الإنترنت إلى كبش فداء للمشاكل التي تسببها الأنظمة القانونية والاقتصادية حيث يتم استخدامه، إضافة إلى المصالح السياسية. ويجب أن يبقى أداة مفيدة نستخدمها جميعاً، وهذا يعني حمايته كما نفعل مع أي مورد ثمين أو أصول آمنة.

* الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية الإنترنت العالمية (بروجيكت سينديكيت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"