لا للتعقّب

21:55 مساء
قراءة 4 دقائق
2

بوب هوفمان *

من المشجع رؤية المشرعين الأوروبيين يستعدون لفرض قيود مشددة على تعقب الإعلانات للجمهور العام، وفي الواقع، كنت أتمنى لو كان باستطاعتهم الذهاب أبعد من ذلك، والتفكير في فرض حظر تام على التعقب. لأنه وكما أظهرت الأحداث الأخيرة والعناوين الرئيسية بشكل لا لبس فيه، فإن ملاحقة المجتمع بإعلانات تستهدف مواطنيه وشركاته يسبب أضراراً جسيمة للحقوق الفردية ويعرّض سلامة المؤسسات الديمقراطية للخطر. 

 أصبح التتبع أو التعقب الذي هو مجرد مصطلح أجمل للمراقبة، جزءاً مخيفاً وواسع الانتشار، وغير ضروري للإعلانات عبر الإنترنت. وقد تم الإبلاغ عن أنه بحلول الوقت الذي يبلغ فيه الطفل ثلاثة عشر عاماً، تكون شركات تكنولوجيا الإعلان جمعت 72 مليون نقطة بيانات عن هذا الطفل. ولتبرير هذا التطفل الفاضح على الخصوصية الشخصية، يزعم كل من «فيسبوك» و«جوجل»، وغيرهما من عمالقة صناعة الإعلان حول العالم أنهم يفعلون ذلك لمصلحة الشركات الصغيرة، وبالطبع هذا غير منطقي.

لقد قضيت أكثر من 40 عاماً في مجال الإعلان. وقبل بضع سنوات فقط شعرت بالقلق من أن الإعلان عبر الإنترنت أصبح منوطاً باستخراج المعلومات من الأشخاص بدلاً من تمريرها إليهم، وقد حذرت من أن هذا قد يفسد سمعة القطاع، ويلحق ضرراً كبيراً بالمجتمع.

في ذلك الوقت، تبنى معظم المعلنين صورة نمطية مفادها أن تتبع الأشخاص عبر الويب يُمكنّهم من تخصيص الإعلانات، وجعلها أكثر صلة، وفي الوقت المناسب، وأكثر استحساناً أيضاً. الآن، تتفق الأغلبية العظمى من الناس على أنه بدلاً من أن تكون الإعلانات أكثر صلة، وفي الوقت المناسب، وأكثر استحساناً، باتت أكثر إزعاجاً، وأقل موثوقية، وأكثر بعداً عن الواقع.

ومن الجليّ تماماً أن المستهلكين أصبحوا يكرهون الإعلانات المستهدفة والتي تتبع أشخاصاً ومواقعَ بعينها. وقد أتاحت شركة أبل مؤخراً لمستخدمي أجهزة «آيفون» و«آيباد» خيار ما إذا كانوا يرغبون في تتبعهم أم لا، وفي الحقيقة، ردّت الأغلبية العظمى منهم ب«لا شكراً». كما أظهر استطلاع حديث لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في فرنسا وألمانيا أن 11% فقط من الأشخاص أبدوا رضاهم عن تتبع الإعلانات لهم.

وفي الوقت الذي أصبحت فيه الإعلانات المخصصة كابوساً لمعظمنا، تحولت إلى حلم وردي لفئة أخرى، وخلقت بعضاً من أغنى الشركات في العالم. لذلك ليس من المستغرب أن تقوم شركات التكنولوجيا الكبرى الآن برمي ملايين الدولارات للدفاع عن «الشر الضروري» لنموذج أعمالها.

 وتتمثل إحدى المزايا العظيمة للإنترنت في إتاحة مزيد من مكاسب الإعلانات للشركات الصغيرة والمتوسطة وبسهولة أكبر، لكن إصلاح النموذج الحالي للإعلان عبر الإنترنت لن يعقد الأمور بالنسبة لهذه الشركات بأي حال من الأحوال، والفرق الوحيد هو أنهم لن يتعقبوا الشرائح المستهدفة في المجتمع.

 ولطالما كانت صناعة الإعلان بارعة للغاية في استهداف الفئات المحتملة لمنتجاتها من دون الحاجة إلى التجسس على أحد. وبعض أكثر الإعلانات عبر الإنترنت فاعلية وقيمة هي تلك المبنية على مصطلحات البحث التي يقوم المستخدمون طواعية بإدخالها، إضافة إلى غيرها من البيانات التي لا تعتمد على التتبع، بدلاً من التلاعب بالخوارزميات عبر محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي.

 ويجب أن أعترف على مضض، بأن صُنّاع الإعلان عبر الإنترنت لديهم استراتيجية علاقات عامة ذكية، ويعد استخدام أصحاب الأعمال الصغيرة بوصفهم مؤثرين في الجمهور الأوسع خطة عبقرية، لكنها مخادعة. ويعرف عمالقة تكنولوجيا الإعلان جيداً أن استخدام طرق صحيحة ولائقة للاستهداف قد يؤتي ثماره أيضاً، صحيح أنه قد لا يكون بربحية التتبع نفسها، ولكن بالفعالية نفسها لعملائهم.

يتسم النظام البيئي للإعلان عبر الإنترنت المستند إلى التتبع بالضبابية، وحتى الفوائد التي تجنيها الشركات الصغيرة والمتوسطة من الإعلانات التي كلفتها الكثير غير واضحة. ففي مذكرة داخلية، قال مسؤول تنفيذي في فيسبوك، إن جزءاً كبيراً من الإعلانات يشاهدها أشخاص آخرون غير الجمهور المستهدف من قبل المعلنين أنفسهم. وفي العام الماضي، وجدت دراسة أجرتها هيئة المعلنين في المملكة المتحدة أن ما يقرب من نصف كل دولار يتم إنفاقه على الإعلانات المبرمجة وفق تقنيات التتبع يذهب إلى النظام البيئي لعمالقة الصناعة قبل أن يصل إلى الناشر.

وعليه، يخسر الناشرون أو المعلنون من أصحاب المواد الإعلانية القيّمة الكثير، حيث يتم التحكم في جمهورهم واقتطاع جزء كبير من عائدات إعلاناتهم من قبل «فيسبوك» و«جوجل» ووسطاء صناعة الإعلان المعروفين. إنها صفقة مروّعة بلا شك لكل من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تأمل في الوصول إلى العملاء، وللناشرين المتميزين الذين يأملون في جني الأرباح.

 ويدعم الإعلان عبر الإنترنت الكثير من الأمور الجيدة التي نحبها داخل الشبكة، ويوفر ترفيهاً ومعلومات مجانية، ويتيح لنا إمكانية بناء صداقات لم تكن لتتم أبداً لولاه. لكن في الوقت نفسه، يجب ألا نسمح لبعض الشركات، الأكثر ربحية في العالم، بتشويه الحقيقة من خلال الادعاء بأن «التتبع» الذي تقوم به هو في مصلحة الأعمال التجارية الصغيرة. فالإعلان ضروري لصحة شبكة الويب «الحرة»، لكن التتبع ليس كذلك.

إن إنهاء المراقبة ليس حلاً سحرياً لجميع مشاكل وسائل الإعلام عبر الإنترنت. لكنه الخطوة الأولى على طريق الإصلاح. نحتاج إلى التخلص من التتبع، وليس الإعلان، للمساعدة بجعل الويب كما ينبغي أن يكون.

* مدون وناشط تقني (نقلاً عن يورآكتيف)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"