الصين والتضخم والفائدة الأمريكية

21:52 مساء
قراءة 4 دقائق
4

نيل كيمبرلي *

بينما يتألم بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن مدى وسرعة رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم المرتفع في الولايات المتحدة، من المرجح أن يقوم نظيره في الصين، بنك الشعب، بتيسير السياسة سعياً منه لدعم النمو الاقتصادي الصيني. وهنا يبرز التناقض الواضح في الأولويات وأثر ذلك في الأسواق.

في الولايات المتحدة، لا يزال الضغط قائماً على الفيدرالي للقيام بشيء في مواجهة نمو الأسعار؛ إذ ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 7.5 في المئة على أساس سنوي في يناير/كانون الثاني الماضي، وهي أعلى زيادة سنوية له منذ فبراير/شباط 1982. وهذه إحصائية غير مريحة إلى حد كبير بالنسبة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي وإدارة بايدن اللتين وصفتا، حتى وقت قريب، الضغوط التضخمية الأمريكية الصعودية ب «الأمر العابر».

وصانعو السياسة في الاحتياطي الفيدرالي أنفسهم الذين كانوا يميلون سابقاً إلى البحث عن دلائل تفيد بارتفاع الأسعار يُظهرون اليوم حاجة ملحة إلى الرد بقوة على تلك الضغوط التضخمية ذاتها.

إن الأسواق ليست بهذه السذاجة، لذلك توقعت احتمالية قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة في محاولة لقمع تلك الجوانب التضخمية في الولايات المتحدة والتي يمكن أن تتأثر بالسياسة النقدية الأكثر تشدداً، وبات من شبه المؤكد البدء في ذلك في مارس/آذار، والعملية برمتها تخضع اليوم لتوقعات السوق. ويبقى السؤال هو ما إذا كان البنك المركزي الأمريكي سيختار زيادة قدرها 0.25 نقطة مئوية أو سيتخلى عن حذره نهائياً، ويرفع النسبة إلى 50 نقطة أساس.

في الصين، ومدفوعاً جزئياً بنهج التشديد الصارم في البلاد لاحتواء فيروس كورونا، لا يزال موقف السياسة النقدية لبنك الشعب يهدف إلى صياغة الظروف لتتوافق مع وتيرة النمو الاقتصادي الصيني وتحافظ على مساره الصحيح، وبناء عليه عمل المركزي الصيني الشهر الماضي على تيسير سياسته النقدية أكثر.

يقود هذا الموقف بالضرورة إلى تآكل فارق سعر الفائدة بين الصين والولايات المتحدة والذي كان منحرفاً منذ فترة طويلة لصالح «الرنمينبي»، وبالتالي يؤثر في كيفية رؤية أسواق العملات للمستوى المناسب لسعر صرف الدولار الأمريكي مقابل اليوان الصيني. ولكن على خلفية الوباء، فإن أسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة، مقارنة بنظيرتها الثابتة والمائلة للانخفاض في الصين، لا يعني بالضرورة مكاسب مادية للدولار مقابل الرنمينبي في البورصات الأجنبية.

يرجع جزء من الضغط التضخمي الذي تعانيه الولايات المتحدة حالياً إلى عقود من عمليات نقل الأخيرة إنتاجها إلى الصين، وهو الإنتاج الذي تعطل «مادياً» بسبب سياسة بكين الخاصة بكبح انتشار فيروس كورونا؛ حيث أدى الاضطراب المرتبط بالوباء في التصنيع في الصين إلى مشاكل في سلسلة التوريد العالمية، ومارس ضغطاً تصاعدياً على الأسعار في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك، وكما قال عضو مجلس إدارة بنك اليابان تويواكي ناكامورا، فإن اقتصاد الصين هو السوق العالمي والمصنع في آن واحد.

من هذا المنظور، فإن أفضل شيء بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي هو عودة الاقتصاد الصيني إلى أعلى مستوياته. وإلا فمن المفترض أن يؤدي تعاقب زيادات الأسعار في الولايات المتحدة إلى التأثير الحقيقي على ذلك الجزء من التضخم المرتفع في البلاد وغير المرتبط باضطرابات سلاسل التوريد العالمية.

في هذا السيناريو، قد يكون التحرك بقوة وبسرعة منطقياً للفيدرالي في محاولته لكبح التضخم في الولايات المتحدة، لكنها قد لا تكون صيغة رابحة بالضرورة. فما لم تعد سلاسل التوريد العالمية إلى طبيعتها، قد ينتهي الأمر بالتأثير سلباً في آفاق النمو الاقتصادي الأمريكي، وهو ما يُطفئ في النهاية جاذبية الدولار.

ولحسن حظ مجلس الاحتياطي الفيدرالي، يمكن أن تكون المساعدة في متناول اليد والاقتصاد الصيني قد يتحرك لنجدته. ومؤخراً أظهرت بيانات بنك الشعب الصيني أن الإقراض المصرفي الجديد في الصين ارتفع في يناير/كانون الثاني بنسبة 11.5% على أساس سنوي إلى 3.98 تريليون يوان (626 مليار دولار)، أي أكثر من ثلاثة أضعاف رقم ديسمبر/كانون الأول البالغ 1.13 تريليون يوان. كما أوضحت إيريس بانج، كبير الاقتصاديين المتخصصين بالشأن الصيني في بنك «ING» الهولندي، بأن معظم النمو الحاصل في القروض طويلة الأجل أتى من الشركات، وبأن هناك قفزة كبيرة في المعدلات هذا العام على أساس سنوي.

في النهاية سنرى إن كانت السياسة النقدية الداعمة لبنك الشعب الصيني، جنباً إلى جنب مع الإقراض المصرفي الجديد المزدهر، ستثبت أنها داعمة حقاً لاحتياجات الاقتصاد الصيني، وسياسة عدم انتشار كوفيد أم لا.

قد يؤدي ذلك على أي حال إلى تجدد قيمة الاستثمارات المقومة بالرنمينبي والتي سيشعر بها المستثمرون، لكنه قد يدفع في المقابل إلى إعادة تقييم السوق للمدى الذي سيحتاج إليه البنك المركزي الأمريكي لتضييق سياسته النقدية، بالنظر إلى أنه في حالة زيادة الإنتاج الصيني، ستخف مشاكل سلسلة التوريد العالمية التي أسهمت في دفع قراءات التضخم إلى أعلى مستوياتها في الولايات المتحدة، والتي تزعج الآن بنك الاحتياطي الفيدرالي بشدة.

إذاً، من المقرر أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، في حين أن بنك الشعب الصيني بالتأكيد لن يقدم على هذه الخطوة، على الأقل في المرحلة الراهنة. ولكن على خلفية الوباء العالمي، يجب أن نعلم أن ذلك لن يترجم تلقائياً إلى مكاسب مادية للدولار الأمريكي مقابل اليوان.

* محلل في الاقتصاد الكلي والأسواق المالية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"