عدونا الدائم والقاتل

00:00 صباحا
قراءة دقيقتين

ألم يعرف العالم قبل ظهور كارثة كورونا، كوارث أخرى هددت سلامته واستقراره؟ بلى.. انظر إلى كتيب مواعيد اللقاحات الذي تستلمه مع ولادة طفلك في المستشفى لتعرف كم وباء ينتظر استقبال الإنسان والاحتفال بوصوله إلى الحياة، وعليه اجتيازها عبر مراحل وطوال سنوات الطفولة، إنما كورونا للأسف يبدو أنه أذكى من كل الأوبئة التي سكنت الأرض؛ إذ تمكن حتى الآن من تطوير نفسه أسرع من قدرة الإنسان على الإمساك بحقيقته الثابتة والمؤكدة وفهم كيفية تطوره للسيطرة عليه نهائياً، أو حتى أن يسبقه بخطوة فيفاجئه قبل أن يتمكن الفيروس من خلق تحورات جديدة. 
ليست الكوارث التي تحصد أرواح البشر بأعداد ضخمة، مرهونة بالأوبئة والأمراض فقط، فهناك الحروب والصراعات والتفجيرات إلى جانب الكوارث الطبيعية والبيئية، وهذه الأخيرة هي الحلقة الأضعف والتي لا تشغل بال أصحاب القرار في الدول الكبرى، فلا يشنون من أجلها الحملات، ولا يتخذون القرارات، ولا يفرضون العقوبات؛ لأنها لا تدخل ضمن نطاق السياسة وحروبها ومصالحها، ولا يهتمون بأعداد الضحايا الذين يموتون متأثرين بها، فهؤلاء لا أصوات لهم، ويصابون بأعراض وأمراض مختلفة، فلم التحدث عنهم ومعالجة الأسباب الحقيقية؟!
تقرير الأمم المتحدة عن البيئة الذي نشرته يوم الثلاثاء الماضي، مخيف، والمفروض أن تثار حوله قضايا، حيث يقول التقرير إن التلوث الذي تتسبب به الدول والشركات والناتج عن المبيدات الحشرية والبلاستيك والنفايات الإلكترونية، يتسبب بتسعة ملايين وفاة في العام، ما يعني أن التلوث أخطر على البشرية من «كوفيد  19» الذي حصد نحو 5,9 مليون إنسان منذ ظهوره. 
وفق الأمم المتحدة، فإنها انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ويجب حظر بعض المواد الكيماوية السامة، ووفق ضمير الإنسان فإن من أهم حقوقه على من يملكون القرار في هذا العالم، حمايته من هذا التسمم المفتعل الذي يغضون البصر عنه، لأنه يعود عليهم بالفائدة الاقتصادية في المقام الأول، وإلا بماذا نفسر هذا التجاهل لقضايا التلوث التي تثار من أجلها حملات يشارك فيها نجوم من حول العالم يناشدون ويشرحون المخاطر التي تهدد الكرة الأرضية، ومستقبل الأجيال القادمة. 
«كوفيد  19» يهددنا ويخطفنا بكل أشكاله ومتحوراته، لكن قبله كان ومازال وسيبقى التلوث عدونا الدائم والقاتل المتسلل الذي يهدد الجميع، خصوصاً أنه يأتي من خلال أدوات نستخدمها في حياتنا اليومية بشكل مباشر أو غير مباشر، المبيدات المتوفرة في كل مكان والبلاستيك الذي نستهلكه بوفرة، بدءاً من زجاجة المياه، وأخيراً النفايات الإلكترونية وما أكثرها في حياتنا. 
يتفننون في صناعة الموت، والأبرياء يدفعون الأثمان: أموالاً وأمراضاً وأرواحاً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"