العبور إلى المستقبل

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

ارتبطت المتاحف في الوعي الإنساني بالماضي، فهي مقار يلتقي فيها الناس مع التاريخ وقادته وصنّاع أحداثه ورموزه، يتعرفون إلى شخصياتهم ومعاركهم وأدوات حياتهم ولغات تخاطبهم وأنماط معيشتهم، ويلامسون بعضاً مما خلّفوه وراءهم من أعمال خالدة، وفيها يتعرفون أيضاً إلى إبداعات العقل الإنساني في مجالات الفنون المختلفة، وقد عرّف المجلس العالمي للمتاحف، المتحف بأنه مقر لحفظ وبحث وتواصل وعرض التراث الإنساني وتطوره، لأغراض التعليم والدراسة والترفيه، وعرَّفته الموسوعة العربية بأنه «دار لحفظ الآثار القديمة، والتحف النادرة، وروائع المنحوتات واللوحات الفنية، وكل ما يتصل بالتراث الحضاري، وقد يضم المتحف أعمالاً علمية، أو أعمالاً فنية، ومعلومات عن التاريخ والتقنية». 

 ولأن الإمارات دولة مختلفة، فقد أرادت أن تقدم للإنسانية مفهوماً مختلفاً للمتاحف، وألا يقتصر مفهوم المتحف في الثقافة الإنسانية على أنه مكان يجمع بين جدرانه عصور التاريخ، وأفعال الأجداد، وإبداعات الفنان القديم والحديث، بل هو مكان يمكن أن نسافر من خلاله إلى المستقبل، لنتعرف إلى ملامح الحياة المقبلة وأنماط المعيشة وأدواتها، ونطالع آخر الابتكارات والإبداعات التي سيحملها لإنسانه، ونتدارس الأفكار والمشاريع التي من شأنها تحديد ورسم التوجهات المستقبلية المحتملة. 

 ومن قصَد دبي، أو زارها للسياحة، شهد ولادة أجمل قطعة فنية ضخمة منقوشة بالخطوط العربية، ورآها تتشكل كمنحوتة لا مثيل لها، تجسد رؤية دبي وروحها وتطلعها الدائم إلى الابتكار وإلى المستقبل. إنه «متحف المستقبل» الفريد من نوعه في العالم، والذي يكسر قواعد المتاحف العالمية ليكون المعبر إلى الغد والمستقبل، لا حاضناً للماضي، كما هو العرف والهدف الذي يتم بناء المتاحف وفقه؛ فهو لا يشبه غيره من المتاحف، لا بتصميمه الفريد، ولا بشكله البيضاوي، ولا لونه واستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في عمليات إنشائه، ولا بمضمونه.

 متحف المستقبل، لا يشبه سوى الدولة التي أنشأته، وسبقت الدنيا في إقامة متحف لإنسان الحاضر عن إنسان المستقبل، ومثلما هو متحف متميز في الهدف منه وفي تصميمه وأقيم على أرض مدينة شهد لها العالم بالتميز والاختلاف، فقد أرادت دبي أن يكون إطلاقه بعد غد في يوم متميز في يومه وشهره وسنته، 22/2/2022 وهو تاريخ لن يتكرر في التقويم الزمني، لمتحف ليس له مثيل في العالم. 

 لن يكون متحف المستقبل مجرد دار عرض، مثل المفهوم السائد، بل دار بحث ودراسة ونقاش وابتكار وإبداع، متحف يسافر في عمق الزمن، آخذاً زواره إلى القادم، محفزاً إياهم على الاستعداد له قبل أن يصل، من خلال الدورات وورش العمل التي سينظمها لمناقشة الأبحاث والإبداعات العلمية والتقنية واتجاهاتها وتطبيقاتها المستقبلية والعملية، كما سيكون محطة رئيسية لاستضافة المؤتمرات التقنية والعلمية الدولية. 

 وباعتبار أن الروبوتات ستكون ملمحاً رئيسياً للمستقبل، وسيعتمد الإنسان عليها وعلى إفرازات الذكاء الاصطناعي المتتابعة والمتلاحقة، فسيكون المتحف داراً للروبوتات، وسيضم في قاعاته الروبوتات التي تعبر عن مسيرة الإبداع العقلي البشري في هذا المجال، منذ بواكير هذه الصناعة وحتى آخر تطوراتها. 

 العلاقة بين الإمارات والمستقبل ليست وليدة اليوم، ولن يكون متحف المستقبل هو ملمحها الوحيد، فالإمارات دولة اختارت أن تخلد الماضي وتحتفي برموزه، وتقدّر منجزات إنسانه، وأن تحسّن الحاضر وتطوره باستمرار، وأن تقفز إلى المستقبل، تفكر فيه، وتخطط له، وتتبنى كل ما يمكن أن يسرع وصولها إليه. فهي الدولة العربية الوحيدة التي سافرت إلى الفضاء وأصبحت واحدة من كبار العالم المهتمين بهذا المجال، وهي الدولة التي تحرص دوماً على استضافة وتنظيم فعاليات استشراف المستقبل، ومن رحمِ أكبر قمة في العالم لاستشراف المستقبل كان ميلاد هذا المتحف فكرة، ثم تنفيذاً، حتى جاء موعد الافتتاح، من «القمة العالمية للحكومات» التي تستضيف دبي فيها رموز السياسة والتكنولوجيا والاقتصاد للتفكير في غد أفضل للإنسانية ولدت الفكرة، وبعد أن كان متحف المستقبل إحدى فعالياتها، وتنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، تحولت الفعالية إلى متحف، يضيء على المستقبل، ويعرّف إنسان اليوم بملامح الزمن الآتي، ويضيف إلى رصيد دبي والإمارات السياحي والمعرفي والعلمي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"