عادي
تم تصويره بين أسوان ولندن عن رواية شهيرة لكريستي

«موت على النيل».. فيلم باهت يفتقد الدهشة

23:30 مساء
قراءة 4 دقائق

مارلين سلوم
منذ تقديم المخرج والممثل كينيث براناج «جريمة في قطار الشرق السريع» عام 2017 ونحن ننتظر استكماله بفيلم آخر مهد له في المشهد الأخير، حيث وصلته برقية تدعوه للحضور سريعاً إلى مصر. وها قد وصل المحقق هيركول بوارو إلى الأرض التي أحبتها أشهر كاتبة روايات الألغاز والجريمة أجاثا كريستي، أرض الفراعنة، ليقدم عمله الثاني المأخوذ عن روايتها الشهيرة «موت على النيل»، والذي تم تصويره في أسوان ولندن ويعرض حالياً في الصالات، فهل نجح هذه المرة أيضاً في مهمته وقدم ما يليق بالرواية وصاحبتها، وبسحر أسوان والنيل والأهرامات؟

ببراعة في البهرجة والأزياء والإكسسوارات، يأخذك كينيث براناج إلى زمن الحرب العالمية الأولى ومن ثم ينتقل بك إلى لندن في العام 1937، فتراه يهتم بالتفاصيل الصغيرة والشكل ويسخو على الإنتاج، وهو شريك فيه مع ريدلي سكوت وكيفن وولش وجودي هوفلاند، أكثر من انشغاله بالإخراج وأداء الممثلين وحركتهم. كل الأجواء الأرستقراطية تبهرك، الرقص والحفلات والأغاني والملابس، لكنك تبقى طوال الوقت تشعر بأنك أمام قطع تمثيلية منفصلة متصلة، مشاهد لا روح واحدة تجمعها فتشدك لتتابع بشكل انسيابي ما يحدث أو ما يدفعك لتتشوق لما هو آتٍ، رغم أنك أمام إحدى أجمل الروايات البوليسية منذ صدورها والتي مازالت تحقق، كمعظم روايات كريستي، مبيعاً لافتاً حول العالم. وتعلم جيداً أن المشكلة ليست في القصة ولا في تسلسل أحداثها، بل في كيفية تحويلها من الورق والخيال إلى شخصيات من لحم ودم تتحرك وفق كتابة ورؤية سينمائية.

تمهيد

أجاثا كريستي كتبت «موت على النيل» (1937) بعد «جريمة في قطار الشرق السريع» (1934)، وهي كانت عاشقة للشرق الأوسط ولمصر والنيل الذي استوحت منه الكثير يوم عاشت مع زوجها على ضفافه. ومن المؤكد أن المخرج كينيث براناج أراد أن يعيش نفس الأجواء وينقل المشاهدين إليها فيتواءم أكثر مع القصة وأبطالها وكاتبتها، لذلك حمل كاميراته وفريق عمله وجاء إلى مصر ليصور معظم المشاهد فيها وتحديداً في أسوان ومعبد أبو سمبل. استثمر نجاح مايكل جرين في الكتابة السينمائية ل «قطار الشرق السريع» فأوكل إليه المهمة هذه المرة أيضاً، ويمكن القول إن جرين عرف كيف يمهد للقصة مع براناج بنقلنا إلى أجواء الحرب العالمية الأولى، بالأبيض والأسود، كنوع من التمهيد لنكتشف من هو البلجيكي هيركول بوارو، وكيف أصبح أشهر محقق جرائم في التاريخ؟

بوارو (كينيث براناج) جندي ضمن كتيبة على خط النار، يستلم قائدهم برقية من المقر الرئيسي في فرنسا تأمره بضرب الجسر من أجل مهاجمة العدو، فيطلب القائد من جنوده أخذ قسط من الراحة للتحرك ليلاً كي يفاجئوا عدوهم قبل طلوع الشمس، لكن بوارو يخالفه الرأي، إذ تلفته حركة الطيور في السماء والتي تنبئ باقتراب هبوب الرياح، ووفق شدة ملاحظة هذا الجندي وحدسه المميز، فإن سرعة التحرك تضمن الوصول في الوقت المناسب دون لفت الأنظار. تتحرك الفرقة فوراً لتباغت العدو وتصل إلى الجسر محاطة بالرياح الشديدة والضباب، لكن قذيفة تسقط بالقرب من القائد تؤدي إلى مقتله وإصابة بوارو بتشوه في وجهه وهو ما يفرض عليه إطالة شاربيه بالشكل الذي اشتهر به، وتتيح لنا هذه المقدمة رؤية خطيبته كاثرين لأول مرة، والتي تقتل هي أيضاً بعد مغادرتها المستشفى، حيث كان هيركول، ويبقى وفياً لها يعيش على ذكراها طوال حياته.

ينقلنا المخرج إلى لندن عام 1937، ملهى ليلي تديره السمراء الحسناء روزالي أوتربورن (ليتيسيا رايت) وخالتها مغنية «البلوز» الشهيرة سالومي أوتربورن (صوفي أوكونيدو)، يجلس على إحدى طاولاته المحقق بوارو يتأمل الراقصين خصوصاً الثنائي سيمون دويل (أرمي هامر) وخطيبته جاكلين دي بيلفورت (إيما ماكي)، إلى حين وصول الشابة فاحشة الثراء لينيت ريدجواي (جال جادوت)، حيث تقوم جاكلين بتقديمها لخطيبها سيمون باعتباره خبيراً في العقارات والاستثمار. يترك سيمون خطيبته ليتزوج من لينيت ويقرران إقامة شهر العسل في أسوان.

رتابة

يمر الجزء الأول من الفيلم بأحداث طويلة ومملة إلى حد ما، ومع الانتقال من لندن إلى مصر، نتوقع أن ننتقل إلى شيء من الغموض والتشويق، لكن المخرج يواصل تقديم الأحداث بنفس الوتيرة، كلام كثير ومشاهد تتوالى وكأنها متقطعة، أداء الممثلين نمطي باستثناء اثنتين هما الأقوى لدرجة أنه يمكن القول بأنهما مصدر الثقل الوحيد في الفيلم: ليتيسيا رايت وصوفي أوكونيدو، الرائعتين بمشاعرهما وملامحهما وتفاعلهما، في حين أن جال جادوت والتي من المفترض أن تكون هي البطلة الأولى باهتة، تبدو كعارضة أزياء جميلة تتنقل بخفة بلا مشاعر ولا أي تأثير أو تأثّر، وشريكها في العمل أرمي هامر الذي يؤدي دور زوجها سيمون، باهت هو الآخر، وكأنه لا انسجام بينهما ولا حالة حب تربطهما في العمل ليلمسها المشاهد ويتعاطف معهما. جمود يتحمل مسؤوليته المخرج أولاً، مادمنا نلمسه في روح العمل وأداء الممثلين باستثناء اثنتين فقط.

كينيث براناج لم يخرج من حالة «جريمة في قطار الشرق السريع» ليقدم لمسة مختلفة في هذا الفيلم، بل يشعر المشاهد وكأنه أمام امتداد للعمل الأول، مع فارق أن التشويق والتوتر وحالة الترقب كانت أعلى في الفيلم السابق، بينما بقيت الإثارة للجزء الأخير من «موت على النيل» رغم حصول أكثر من جريمة، والمتهمون كثر كعادة قصص أجاثا كريستي، حتى صديق بوارو الشاب اللطيف بوك (يؤديه هنا كما في الفيلم السابق توم بيتمان) لم يسلم من دائرة الشك والاتهامات، ووالدته الرسامة الثرية أوفيميا (آنيت بينينج).

لا نفهم كيف يمكن للمخرج أن ينتقل بفريق عمله للتصوير في مصر، وتحديداً في أسوان وفي معبد أبو سمبل، ويسمح لبعض المشاهد أن تبدو مصطنعة بشكل مستفز لا ريب فيه، فالأهرامات تبدو كأنها خارجة من فيلم كرتون للأطفال، والنيل لا يبدو ساحراً كما هو في الواقع، خصوصاً أننا في زمن تطغى فيه التكنولوجيا وتتحكم بعالم السينما فتجعل المستحيل ممكناً والافتراضي واقعياً!

«موت على النيل» فيلم باهت يفتقد الدهشة، كأنه مجموعة فقرات تم ربطها ببعضها بعضاً ليكتمل الفيلم الطويل (ساعتان وسبع دقائق) ويصل إلى العقدة والتشويق متأخراً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"