جدل التكنولوجيا والمناخ

22:21 مساء
قراءة 3 دقائق

باتريس كين *

ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه التكنولوجيا في حماية البشرية والحفاظ على مستقبل الكوكب؟ في سياق الجدل العام المتزايد في الاستقطاب حول تغير المناخ، غالباً ما يُساء فهم هذه المسائل الحيوية على أنها مسائل لا تقبل الجدل. وعندئذ يستمر النقاش بين معسكرين متناقضين تماماً – معسكر المتفائلين بالتكنولوجيا الذين يعتقدون أن التكنولوجيا تحمل جميع الإجابات ومعسكر المتشائمين من التكنولوجيا الذين يطالبون بمستقبل منخفض التكنولوجيا وإيقاف نموها.

أعتقد أن الوقت قد حان لإلقاء نظرة أخرى على بعض الحجج الأكثر شيوعاً في هذا الجدل، والتي تتجاهل أحياناً دور الإبداع البشري في حماية البيئة.

أولاً، يجادل بعض الناس بأن التكنولوجيا لا يمكنها إنقاذ المناخ لأن التكنولوجيا بالتحديد هي في الأساس التي أوصلتنا إلى هذا الوضع الصعب.

إن فترة ما بعد الحرب محفورة في ذاكرتنا الجماعية كفترة ثقة عمياء بالتقدم التكنولوجي، بكل ما يحمله من وعود بالازدهار والتقدم الاجتماعي والأمل في مستقبل أفضل. واليوم نحن ننظر بنظرة أكثر نقداً لسنوات النمو والتفاؤل هذه، ونحمِّلها المسؤولية عن خلق مجتمع غير مستدام يعتبر أن الإنتاج هو مقياس نجاحه.

قال ألبرت أينشتاين: «لا يمكننا حل المشاكل باستخدام نفس نوع التفكير الذي استخدمناه عندما خلقنا هذه المشاكل». لذلك فإن المنطق السليم يدعونا إلى رفض اليوتوبيا التكنولوجية التي يرى بعض المراقبين أنها أصل كل الشرور في العالم.ولكن هذه النظرة المفرطة في التبسيط تتجاهل حقيقة أساسية هامة وهي أن التكنولوجيا هي مجرد أداة نفعل بها ما نريد.

بعد الحرب العالمية الثانية، تركزت كل جهودنا على تكوين الثروة المادية والسعي إلى عودة الرخاء بعد سنوات من الحرمان المؤلم. كان هذا هو المسار الذي سلكته جميع الدول الكبرى في العالم، والذي اتبعته شركاتها، وجامعاتها، ومعاهدها البحثية، وغيرها.

واليوم، نحن نطلب شيئاً مختلفاً تماماً من مهندسينا وباحثينا. لقد اتخذت التكنولوجيا اتجاهاً جديداً ونتوقع منها بشكل متزايد أن تكون قوة دافعة وراء التحول البيئي.

وبالنظر على سبيل المثال إلى تقنيات الأقمار الصناعية: فبدونها ما كان بإمكاننا على الإطلاق أن نفهم أو نراقب الظواهر المناخية بهذا القدر من التفاصيل كما نفعل اليوم.

انظر إلى الإمكانات الإبداعية الهائلة التي يطلقها الباحثون في محاولة منهم للحفاظ على استمرارية عالمنا. هذا ينطبق على ركيزتين رئيسيتين للتحول البيئي سيتم الاحتياج لهما على المدى القصير والمتوسط، وهما الإمداد بالكهرباء (البطاريات، والسيارات الكهربائية، والطاقة الشمسية، وما إلى ذلك) والاستهلاك الأمثل للطاقة (الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وإعادة التدوير، والتصميم البيئي، وما إلى ذلك). ولكن على نطاق أوسع، ما نشهده اليوم هو طفرة في الابتكار المستدام في عدد ضخم من المجالات وهي: البحث عن مصادر جديدة للطاقة (الهيدروجين منخفض الكربون، والطاقة الأسموزية، والطاقة الحيوية الضوئية، والطاقة المائية، وما إلى ذلك)، والتحول الزراعي (الطائرات بدون طيار، والأسمدة منخفضة النيتروجين، واللحوم المستزرعة، وما إلى ذلك)، والتقاط الكربون وتخزينه.

لا ينبغي الخلط بين الابتكار التكنولوجي اليوم وما كان عليه بالأمس، لأنه ببساطة لا يحاول حل نفس المشاكل.

الحجة الثانية التي يطرحها المتشائمون من التكنولوجيا هي أن الوقت يمضي والتقنيات التي يمكن أن تكون مفيدة لم تكتمل بعد.

صحيح أن العديد من الحلول الواعدة، مثل التقاط الكربون وحتى الهيدروجين، لا تزال في مرحلة التطوير. ولكن لا توجد عيوب جوهرية في هذه التقنيات، وإنما يوجد فقط نقص في الإرادة السياسية. ما يحتاج إليه العالم اليوم هو دعم حكومي ضخم للابتكار المستدام بحيث يمكن تطوير هذه التقنيات على نطاق واسع بسرعة أكبر.

هذا ما يحدث اليوم مع السيارات الكهربائية، والتي تُعتبر بالفعل أكثر فعالية من حيث التكلفة من سيارات الديزل أو البنزين.

* رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة تاليس الفرنسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"