لماذا الخوف من التضخم؟ (1-2)

21:20 مساء
قراءة 3 دقائق

د. لويس حبيقة *

هنالك اليوم خوف عالمي واضح من التضخم الذي عاد ليأكل موازنات الأسر والدول وخاصة دخل الفقراء. كان الظن سائداً أننا انتهينا عالمياً من مرض التضخم الذي كان داء العصر في عقود القرن الماضي واستمر مع بداية القرن الحالي. كانت أمريكا اللاتينية وبعض دول أسيا مضرب مثل في الأجواء التضخمية المدمرة وعانت شعوبها كثيراً. بعدها انخفض التضخم تدريجياً ولم يعد مقلقاً بسبب ما سمي بالاقتصاد الجديد الذي نقل الانتاج من الطرق التقليدية إلى التكنولوجيا المتطورة أي سلع حديثة كثيرة منتجة بأسعار أقل. ظن العالم أجمع أن مسيرة العرض التقنية ستبقى كما هي إلى ما لا نهاية، لكن هذا لم يحدث فتعثر لأسباب تجري دراستها لمنع التكرار.

إذا نظرنا إلى إحصائيات صندوق النقد الدولي بشأن مؤشر أسعار الاستهلاك في الدول الصناعية، نرى أنها منخفضة حديثاً أي بمعدل 0,7% في 2020 وتقديرات 2,8% و2,3% في السنتين التاليتين. لكن الوقائع الجديدة تخالف ذلك حيث ارتفع مؤشر التضخم في الولايات المتحدة بين كانون الثاني 2021 وكانون الثاني الماضي إلى 7,5% وهذا مقلق أمريكياً وعالمياً بسبب الترابط القوي بين الاقتصادات الوطنية والاقليمية. أمريكا الاقتصاد الواسع والمنافسة النشطة يصعب منطقيا أن يدخلها التضخم كما يحصل بالاقتصادات ذات الصفات المعاكسة.

أما في الدول النامية والناشئة فتشير أرقام صندوق النقد إلى أن مؤشر أسعار الاستهلاك بلغ 5,1% في 2020 وتقديرات وصلت الى 5,5% و4,9% في السنتين التاليتين. هذه معدلات مقبولة للمجموعة التي عانت في فترات سابقة معدلات أعلى بكثير بسبب سوء نضج المؤسسات والقوانين داخلها، كما بسبب المشاكل السياسية الحادة التي واجهتها. مشكلة التضخم تعود اليوم الى الاقتصاد العالمي الذي يعاني مجموعة أزمات خطرة لم تعالج بعد بينها الكورونا والفقر والبطالة وتوسع فجوة الدخل والثروة وغيرها. أي دراسة جدية لمشكلة التضخم يجب أن تنظر إلى عوامل العرض والطلب والمعالجات الممكنة لتقييم حجم المشكلة الحالية وخطورتها وإمكانية مواجهتها أو معالجتها؟

أولاً: في العرض حيث لا يمكن محاربة التضخم اذا لم يزد الانتاج وهذا متعثر أو صعب لأسباب متعددة منها غياب السياسات المحفزة للانتاج والمخفضة للتكلفة. أيضاً الأوضاع في أوكرانيا مقلقة ومن الممكن أن تؤثر كثيراً في الأجواء الاقتصادية العالمية، كما على التبادلين التجاري والمالي العالميين. مشكلة أوكرانيا توتر الأجواء العالمية وتسهم في رفع أسعار النفط إلى مستويات جديدة أي رفع تكلفة الانتاج والنقل والسياحة وغيرها. هنالك عودة إلى الأزمات النفطية السابقة مع فارق كبير وهو أن المنطقة العربية خاصة منطقة الخليج لا علاقة لها بها.

مشكلة سلاسل التوريد كبيرة وتعرقل زيادة انتاج أهم السلع منها السيارات. هنالك حاجة كبيرة لهذه الالكترونيات التي تسهم في انتاج السلع الكبيرة. معظمها يأتي من آسيا والصين تحديداً، وبالتالي هنالك انتظار كبير لوصولها إلى المرافئ الغربية وخاصة في أمريكا، وتحديداً في لوس أنجلوس. تجنباً لمشكلة مستقبلية مماثلة، يقول الكاتب «باري لين» إن على الدول الغربية وخاصة الولايات التحدة أن تطبق «قاعدة الربع» أي ألا يكون هنالك أكثر من ربع السلع الأساسية منتجة في مكان واحد أو تأتي إلى مرفق واحد. يقول لين إن على الدول أن تنوع مصادر توريدها بحيث لا تكون مرتبطة بمصادر واحدة والمقصود هنا المصادر الآسيوية تحديداً.

* أكاديمي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"