لماذا الخوف من التضخم؟ (2-2)

21:29 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

هنالك اليوم سوء توازن بين الوظائف والكفاءات، وهذا يعود إلى التغيير الكبير الحاصل في الاقتصاد العالمين كما إلى عدم تجاوب الجامعات ومعاهد التدريس مع الحاجات الجديدة. ولا شك في أن هنالك تقصيراً كبيراً في ما يخص جودة التعليم المهني والتقني الذي يحتاج العالم إليه كثيراً، خاصة بعد الأزمات. ولن يحصل النمو القوي مجدداً من دون تغيير كبير في التقنيات والعلوم والخبرات المعتمدة في الإنتاج.

ثانياً: في الطلب حيث لا شك بعد انحدار موجة «كورونا» يرتفع الطلب عالمياً على السلع والخدمات، أي أن هنالك نمواً إيجابياً حالياً ومتوقعاً مستقبلياً. وتبعاً لصندوق النقد وفي الدول الصناعية، يتوقع أن يصل النمو إلى 4,5% هذه السنة، بعد ارتفاع قدره 5,2% السنة الماضية. وفي الدول النامية والناشئة يتوقع أن يصل النمو إلى 5,1% هذه السنة بعد ارتفاع قدره 6,4% السنة الماضية. وتنعكس هذه النسب الإيجابية على الطلب، وبالتالي تدفع بالأسعار صعوداً. وهنالك حركة استهلاكية متصاعدة نراها خاصة في الدول الغربية بعد معاناة المواطن، لسنتين أو أكثرن من الإغلاق القسري نتيجة «كورونا». والتجاوب الاستثماري ما زال أقل بسبب القلق والتمويل، ما يساهم أيضا في الضغط على الأسعار.

 وخلال الإغلاق، ولمنع الاقتصادات من السقوط، قامت المصارف المركزية بضخ النقد في الأسواق، وهذا كان عاملاً مهماً في دفع الأسعار صعوداً. وسبّب ذلك في الوقت نفسه ارتفاع التوقعات التضخمية ما ساهم في دفع الأسعار أكثر نحو الارتفاع. ومحاربة التوقعات مهمة جداً ولكنها صعبة، إذ إن إقناع المواطنين بالعكس ليس بالأمر السهل، وهذا يعرقل أي سياسات مكافحة للتضخم.

ثالثاً: كيف يواجه العالم اليوم التضخم، خاصة التوقعات الخطرة؟ أهم سياسة بدأت المصارف المركزية اعتمادها هي رفع الفوائد التي ستكون فاعلة حتماً، لكن يلزمها بعض الوقت، إذ لا يمكن رفعها بسرعة وضرب النمو الاقتصادي. وتقود الولايات المتحدة هذه السياسة التي ستنعكس على كل الدول التي تربط نقدها بالدولار، بينها لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي. وهنالك سياسات أخرى مكملة، بينها بيع السندات في الأسواق من قبل المصارف المركزية ووزارات المال والتي تهدف إلى سحب النقد من الأسواق، وبالتالي تخفيف الضغط على الطلب.

 ويسود التشاؤم سكان العالم بسبب الأوضاع الأوكرانية، واستمرار «كورونا»، كما بسبب كل الأمور المعيشية المتعثرة، حتى في أعرق الاقتصادات. وهنالك مشاكل جدية أساسية أهمها ضعف ثقة المواطن بالحكومات، فكيف يتجاوب مع اقتراحاتها وسياساتها؟ وهنالك ضعف ثقة بين مواطني العالم ليس بين الأغنياء والفقراء فقط، بل حتى داخل المجموعات نفسها. وفي ظل هذه الأوضاع المادية والنفسية المتشنجة كيف تنجح السياسات في مكافحة التضخم والعودة إلى أجواء اقتصادية ومالية سليمة؟

مشكلة التضخم أنها تدخل ببطء إلى الاقتصادات، وتنتشر في كل العروق والفروع ما يصعب عملية إخراجها. المهم أن تضع الحكومات والمصارف المركزية حواجز أمام امتداد المرض التضخمي بحيث تكون مواجهته أسهل. فالقضاء على التضخم صعب لأنه مرتبط بالسياسات والمعنويات والتوقعات، وهذه أمور تعالج بهدوء.

* أكاديمي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"