عادي

عذب الكلام

21:59 مساء
قراءة 3 دقائق
1704

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

الطّيُّ والنَّشْرُ: هو اسْتعمالُ مَعانٍ مُتَعدّدةٍ عائدةٍ عَلَيْها مَعانٍ أخْرى مُتعدّدةٌ، منْ دونَ أنْ يُعيَّنَ الْمَعْنى بما يعودُ عَليه؛ كما في قول الشاعرة الأندلسية حمدة بنت زياد:

ولَمّا أبَى الْواشونَ إلّا فِراقَنا

وَما لَهُمُ عِنْدي وعِنْدكَ مِنْ ثارِ

وَشَنُّوا على أسْماعِنا كُلَّ غارَةٍ

وقَلَّ حُماتي عِنْدَ ذاكَ وأنْصاري

غَزَوْتَهُمُ مِنْ مُقْلَتَيْكَ وأدْمُعي

وَمِنْ نَفَسي بالسَّيْفِ والسَّيْل والنّارِ

فالْمُقْلتانِ والأدْمعُ والأنْفاسُ عائدةٌ عَلَيْها «السَّيْفُ والسَّيْلُ والنّارُ».

وقولِ ابنِ الرّومي:

آرَاؤُكُمْ وَوُجُوهُكُمْ وسُيُوفُكُمْ

في الْحَادِثَاتِ إِذْ دَجَوْنَ نُجُومُ

فِيها مَعَالِمُ لِلْهُدَى ومَصَابِحٌ

تَجْلُو الدُّجَى والأُخْرَيَاتُ رُجُومُ

دُرر النّظم والنّثر

من كتاب «طَوْقُ الْحَمامَةِ في الْأُلْفَة والأُلّاف» لابن حزم:

«للْحُبِّ عَلَامَاتٌ يَقْفُوهَا اَلْفَطِنُ، ويَهْتَدِي إِلَيْهَا اَلذَّكِيُّ؛ فَأَوَّلُهَا إِدْمَان اَلنَّظَرِ، والْعَيْنُ بَابُ اَلنَّفْسِ الشَّارِع، وهِيَ اَلْمُنَقِّبَةُ عَنْ سَرَائِرهَا، والْمُعَبِّرَةُ لِضَمَائِرِهَا، والْمُعَرِّبَةُ عَنْ بَوَاطِنِهَا. فَتَرَى اَلنَّاظِرَ لَا يَطْرفُ، يَنْتَقِلَ بِتَنَقُّلٍ الْمَحْبُوبِ ويَنْزَوِي بِانْزِوَائِهِ، ويَمِيلُ حَيْثُ مَالَ، كَالْحِرْبَاءِ مَعَ اَلشَّمْسِ؛ وَفِي ذَلِكَ أَقُولُ شِعْراً مِنْهُ:

فَلَيْسَ لِعَيْنِي عِنْدَ غَيْرِكَ مَوْقِفٌ

كَأَنَّكَ مَا يَحْكُونَ مِنْ حَجَرِ اَلْبَهْتِ

أَصْرِفُهَا حَيْثُ اِنْصَرَفْتَ وَكَيْفَمَا

تَقَلَّبْتَ كَالْمَنْعُوتِ فِي النَّحْوِ والنَّعْتِ

ومِنْهَا اَلْإِقْبَالُ بِالْحَدِيثِ، فَما يَكَادَ يُقْبِلُ عَلَى سِوى مَحْبُوبِهِ ولَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ، وإِنَّ اَلتَّكَلُّفَ لَيَسْتَبِينُ لَمِنْ يَرْمُقُهُ فِيهِ، والْإِنْصَاتُ لِحَدِيثِهِ إِذَا حَدَّثَ، واسْتِغْرابُ كُلِّ مَا يَأْتِي بِهِ ولَوْ أَنَّهُ عَيْنُ اَلْمُحَال وخَرْقُ الْعَادَاتِ؛ وتَصْدِيقُهُ وَإِنْ كَذَب، ومُوَافَقَتُهُ وإِنْ ظَلَم، والشَّهَادَةُ لَهُ وإنْ جَارَ، واتِّبَاعُهُ كَيْفَ سَلَكَ وأَيَّ وَجْهِ مِنْ وُجُوهِ اَلْقَوْلِ تَنَاوَل؛ ومِنْهَا الْإِسْرَاعُ بِالسَّيْرِ نَحْوَ اَلْمَكَانِ اَلَّذِي يَكُونُ فِيهِ، والتَّعَمُّدُ لِلْقُعُودِ بِقُرْبِهِ والدُّنُوِّ مِنْهُ، واطِّراحُ اَلْأَشْغَالِ اَلْمُوجِبَةِ لِلزَّوَالِ عَنْهُ، والِاسْتِهَانَةُ بِكُلِّ خَطْبِ جَلِيلٍ دَاعٍ إِلَى مُفَارَقَتِهِ.

وإِذا قُمْتُ عَنْكَ لَمْ أمْشِ إِلَّا

مَشْيَ عَانٍ يُقَادُ نَحْوَ اَلْفَنَاءِ»

من أسرار العربية

في تَفْصِيلِ كَيْفِيَّةِ النَّظَرِ وهَيْئاتِهِ في اخْتِلاَفِ أحْوَالِهِ: إذا نَظَرَ الإِنْسَانُ إلى الشّيْءِ بِمَجَامِعِ عَيْنِهِ: رَمَقَه. من جَانِبِ أذُنِهِ: لَحَظَهُ. بِعَجَلَةٍ: لَمَحَهُ. رَمَاهُ بِبَصَرِهِ مَعَ حِدَّةٍ: حَدَجَهُ بطَرْفِهِ. نَظَر بِشِدَّةٍ وحِدَّةٍ: أَرْشَقَهُ وأَسَفَّ النَظَرَ إليهِ. نَظَرَ المُتَعَجِّبِ مِنْهِ والكَارِهِ لَهُ والمُبْغِضِ إيَّاهُ: شَفَنَهُ وَشَفَنَ إليهِ شُفُوناً وشَفْناً. أعارهُ لَحْظَ العَدَاوَةِ: نَظَرَ إليهِ شَزْراً. نظر وَاضِعاً يَدَهُ عَلَى حَاجِبِهِ مُسْتَظِلاً بِهَا مِنَ الشَّمْسِ: اسْتَكَفَّهُ واسْتَوْضَحَهُ واسْتَشْرَفَهُ. نَظَرَ إلى الشّيْءِ كاللَّمْحَةِ ثُمَّ خَفِيَ عَنْهُ: لاحَهُ لَوحَةً؛ نَظَرَ في كِتَابٍ أوْ حِسَابِ لِيهذِّبَهُ أو لِيَستَكْشِفَ صِحَتَهُ وَسَقَمَهُ: تَصَفَّحَه. فإنْ فَتَحَ جَمِيعَ عَيْنَيْهِ لِشِدَّةِ النَّظرِ: حَدَّقَ؛ وَقَوْلُ مُلَيْحٍ الْهُذَلِيِّ:

أَبِي نَصَبَ الرَّايَاتِ بَيْنَ هَوَازِنٍ

وَبَيْنَ تَمِيمٍ بَعْدَ خَوْفٍ مُحَدِّقِ

هفوة وتصويب

يُخطئ كثُر في نطق كلمتي بذّ وبزّ.. وهذا توضيح لمعانيهما: بذّ: بَذِذْتَ تَبَذُّ بَذَذًاً وَبَذَاذَةً وَبُذُوذَةً: رَثَّتْ هَيْئَتُكَ وَسَاءَتْ حَالَتُكَ. الْبَذَاذَةُ: رَثَاثَةُ الْهَيْئَةِ؛ وقَيلَ: أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُتَقَهِّلاً رَثَّ الْهَيْئَةِ، يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ بَاذُّ الْهَيْئَةِ وَفِي هَيْئَتِهِ بَذَاذَةٌ. والْبَذُّ: الرَّجُلُ الْفَقِيرُ. وبَذَّهُ يَبَذّهُ بَذَّاً: غَلبَهُ وفاقَهُ. وحالُ فلانٍ بَذَّةٌ، أي سيِّئةٌ.

أما البَزّ، فهو الْهَيئة مِنْ لِباسٍ أو سِلاحٍ. يقال هو بَزّازٌ يَبيعُ البَزّ. وفلانٌ حسَنُ البِزّة. والبَزّ: السّلاح؛ قال الشاعر:

وَلَا بِكَهَامٍ بَزُّهُ عَنْ عَدُوِّهِ

إِذَا هُوَ لَاقَى حَاسِراً أَوْ مُقَنَّعَا

يدلّ على السَّيْف.

وقولُهم بَزَزْتُ الرّجُل، أي سَلَبْته، من هذا، لأنّه فِعلٌ وقَعَ ببَزِّه.

من حكم العرب

ومَهْما تَكُنْ عِنْدَ امْرئٍ مِنْ خَليقةٍ

وإنْ خَالَها تَخْفى على النَّاس تُعْلَمِ

لِسانُ الْفَتى نِصْفٌ ونِصْفٌ فُؤادُهُ

فَلَمْ يَبْقَ إلّا صورَةُ اللَّحْمِ والدَّمِ

الْبَيتان لزُهَيْر بنِ أبي سُلْمى؛ يقولُ إنّ الطّبْعَ يَغْلِبُ التّطبع، فطبيعةُ الإنسانِ الّتي وُلدَ عليها، لا بُدّ أن تظهر للنّاسِ، مَهْما حاول إخفاءها. والْمَرءُ بأصْغرَيْهِ قَلْبِهِ ولِسانِه. ففؤادُه نِصْفٌ ولِسانُه نِصْفٌ. والصورةُ الباقيةُ منَ اللَّحْمِ والدّمِ، لا نفعَ لها مِنْ دونِهما.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"