حسب الشيخ جعفر في الشارقة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

لا أذكر الآن، وقد مضى من السنوات ما مضى، المناسبة التي أتى فيها الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر الشارقة في منتصف التسعينات الماضية بدعوة من الدائرة الثقافية، أكانت إحدى دورات معرض الشارقة للكتاب أم مهرجاناً للشعر العربي أقيم يومها، فالشارقة كانت وما زالت مقصد كبار المبدعين العرب الذين يأتون إليها للمشاركة في ما يقام فيها من أنشطة شعرية وثقافية وفنية، لكن ما أذكره جيداً الاهتمام الكبير الذي حظي به من شعراء الإمارات الشباب يومها، كالمرحوم أحمد راشد ثاني، عبدالعزيز الجاسم، عادل خزام وآخرين سواهم، ولأن الشيء بالشيء يذكر نشير هنا إلى أن حسب الشيخ جعفر نال جائزة سلطان العويس للشعر في الدورة الثامنة 2002-2003.
كان صيته كشاعر مهم ومتميز تصادف تجربته هوى لدى هؤلاء الشباب، قد سبق مجيئه إلى الشارقة، لذا أصبح محط اهتمام شعراء الإمارات وسواهم من الشعراء العرب المقيمين فيها، وما أذكره أيضاً ما كانت عليه شخصية حسب الشيخ جعفر من هدوء وتواضع ودماثة في الخلق، وهو أمر لا تصادفه كثيراً عند من يعدون شعراء كباراً مثله، غالباً ما يحيطون أنفسهم بهالة من الأبهة والتكلف.
ولد حسب الشيخ جعفر، الذي غادرنا قبل أيام قليلة عن ثمانين عاماً، في العمارة بجنوبي العراق عام 1922، وسافر في بعثة تعليمية إلى موسكو لدراسة الأدب في معهد جوركي للآداب وتخرج فيه عام 1966، وقد أثرت إقامته في روسيا واطلاعه على الأدب الروسي تجربته الشخصية والشعرية، وهذا ما يؤكده هو نفسه حين يقول إن شعره ينبثق من مكانين أسطوريين، هما قريته وموسكو، على ما بينهما من اختلاف في البيئة والمناخ والتكوين الثقافي، وهو ما يحدث عادة مع المبدعين الكبار حين يعيشون على تخوم لغتين وثقافتين وأدبين مختلفين، فينهلون من ينابيعهما، في نسيج غني.
لذا فإن الشاعر لم يترك فقط إرثاً إبداعياً مهماً تمثل في مجموعة من الدواوين، بينها: «نخلة الله»، «الطائر الخشبي»، «زيارة السيدة السومريّة»، «أعمدة سمرقند»، «حنو الزوبعة» وغيرها، وإنما أغنى المكتبة العربية بترجمات مبكرة لروائع الشعر الروسي الحديث، بينها مختارات من قصائد بوشكين وآنا اخماتوفا ومايكوفسكي وسواهم.
لا نعلم إذا كان بوسعنا أن نمسك بخيط جامع بين قول حسب الشيخ جعفر، في إحدى شهاداته من أنه، كشاعر، قد يجد نفسه «في المدار العباسي أو المدار الخيامي الفارسي أو المدار الإغريقي فطموحي الروحي والإبداعي يدفعني إلى الإقامة في أكثر من زمن»، وبين قوله في تقديم ترجماته لقصائد بوشكين إن هذا الأخير كما تمثل الجذور القومية الروسية، استوعب التراث الشعري منذ هوميروس حتى بايرون.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"