اليوميات انتقائية

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

لديّ تجربة في كتابة اليوميات، من خلال كتابي «يوميّات التلصُّص» الصادر في عام 2019، الذي قسّمته إلى أربعة أجزاء هي على التوالي: معايشات، أشياء، وجوه، أماكن، ولكن يمكن إدراج كل ذلك في قسمين: يوميّات السفر التي غطت الجزء الأكبر من الخانة الرابعة: أماكن، ويوميات التأمل، التي تكاد تغطي بقية خانات الكتاب، كتسجيل لانطباعات تثيرها في النفس معايشات يومية، أو تكتب من وحي اللقاء أو العلاقة مع أشخاص آخرين، أو من مراقبة أشياء معينة.

من تجربتي المتواضعة في وضع مادة هذا الكتاب، يمكنني القول إنّ اليوميات انتقائية بطبيعتها، فالكاتب لا يدّون بالضرورة كافة تفاصيل يومه، وإنما ينتقي بعضها، والاعتبارات هنا متعددة، بينها أن الكاتب يؤثر عدم البوح ببعض التفاصيل، وهو أمر ينطبق على كتابة السيرة الذاتية أيضاً، ومن جهة أخرى فإن بعض يومياته تبدو عادية جداً، وليس فيها ما يثير فضول القارئ، فهي لا تثير اهتمام كاتبها، فكيف بقارئها؟

في مقال له عن اليوميات في الأدب العربي، ينقل الروائي والناقد العراقي عوّاد علي، عن الفرنسي فيليب لوجون، الذي قضى سنوات في دراسة أدب اليوميات، قوله إن اليوميات «كتابة سردية بالضرورة»، لكنها ليست حكايات، بل تتمثل في «تعاقب آثار محددة زمنيّاً، قد تكون أفكاراً أو أوصافاً، وهي تنفتح دون توقف على مستقبل غير متوقع يحدّ من سطوة كاتبه».

بشكل عام تثير يوميات الأدباء والكتّاب فضولاً لدى قرائهم، يصحّ هذا على الكتّاب الأجانب والكتّاب العرب، وسنكتفي هنا بإيراد مثلين عليها فقط أحدهما من المغرب هو عبدالله العروي في كتابه «خواطر الصباح»، أما الثاني فهو كتاب لطفيّة الدليمي «كراساتي الباريسية».

مردّ هذا الفضول لقراءة يوميّات الكتّاب، حسب الأمريكية سوزان سونتاغ، هو، «أننا نقرأها بسبب الشكل الخام لليوميات، نقرأ فيها الكاتب يتكلم باسمه، ونلتقي بالأنا خلف أقنعة الأنا في مؤلفات الكاتب. لا يمكن لأي قدر من الحميمية في رواية أن يقدّم ذلك حتى لو كتَب الكاتب بصيغة المتكلم».

تندرج يوميات جورج أورويل التي دوّنها بين عامي 1938 – 1942 في خانة يوميات السفر، حيث غطى فيها زيارته للمغرب، التي استوقفت بعد صدورها مترجمة إلى العربية، اهتمام كتّاب عرب كُثر، كما سجّل يوميات عمله في إذاعة «بي بي سي» في الهند، ويمكن ردّ ذلك إلى أن تغيير المكان، يستتبع خلق انطباعات جديدة أو مشاهدات غير تلك التي ألفها الكاتب في المكان الذي نشأ وعاش فيه، حيث يجد ما هو غير مألوف بالنسبة إليه من تفاصيل المكان الجديد الذي تطأه قدماه. ولهذا السبب، على ما يبدو، نشأ ما نسميه «أدب الرحلات».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfh4wsm

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"