البصيرة عنوانها كتاب

01:03 صباحا
قراءة دقيقتين

مع كل زيارة إلى أحد معارض الكتب في وطني الغالي، أشعر بحالة من التجدد، فكل كتاب هو مشروع تطويري للزائر على مستويات شخصية ومهنية وفكرية، كما أن القائمين على هذه المواسم الأدبية والثقافية في منافسة دائمة لتقديم الأحدث، الأجمل، والأكثر ارتباطاً بحاجاتنا المعرفية والنفسية، والكلمة الأخيرة ليست مقحمة على هذا السياق، بل على العكس، فمجرد دخول هذا المكان، يمد ضيوف أبوظبي بطاقة وحميمية لا توصف، وفي كل ركن من الأركان، هناك شعور متنام، بأنهم معنيون. فما هو الجديد الذي قدّمه معرض أبوظبي الدولي للكتاب هذا العام؟
في هذه الزيارة عدنا لحاضنة الحدث بإقبال كبير بعد انقطاع، لنشهد تغيراً على مستوى الهوية البصرية للحدث، محتوى المعروض في أجنحة المؤسسات المختلفة، الحوارات التي تتطرق لمواضيع تثير الجدل الصحي، وخيارات الشخصيات المحورية على صعد عدة، ومنها شخصية صاحب البصيرة عميد الأدب العربي «طه حسين»، والتي عكست دلالات فيها تجدد واستعادة للتجربة الفكرية العربية، من خلال قراءة المستقبل على ضوء حكمة الأمس واليوم.
الجسر الممتد عبر الزمن حمّال للخيارات الكثيرة، ففي هذا العصر لم تعد معارض الكتب مثل ما كانت، فهي تلعب على وتر تجربة العميل أو المستهلك، الذي لا تتعامل معه كقارئ وحسب، بل متفاعل وصانع للمحتوى وشريك، وبين هذه الممرات التي نقطعها ذهاباً وإياباً بحثاً عن كتاب، أو جلسات جامعة للكتّاب والمفكرين، أو مستبشرين بفرص للاستثمار في مجال صناعة النشر، ولد كتّاب جدد ومبدعون في مجالات مختلفة، فلم تقتصر هذه المهرجانات الثقافية على لم شمل القراء وإرشادهم على طريق الاحترافية، بل أوجدت منصات لتخريج المفكرين والمبتكرين والفنانين.
وربما من الأسئلة الكبيرة التي يواجهنا بها عصر المعرفة واقتصاد الإبداع، هو سؤال الوقت والجدوى؟ ومع كل الخيارات التي تزيد من طمعنا لاقتناء الكتب، بل وحملها في جيوبنا إن أمكن، تتبلور الإجابة مؤكدة عن إمكانية وضرورة حمل المعرفة في أجهزتنا وضمن سياق اليومي والعملي كذلك، ويمكننا إيجاد الوقت، فالقراءة ليست ترفاً، أو هواية، وهي ليست طارئة كذلك، وإنما هي أسلوب حياة يومي، بل طبيعة ثانية للناجحين والعظماء.
إن صناعة المعارض غيـّرت مفهوم الورقي، وجعلته أكثر اتساعاً وتماهياً مع التجارب البصرية والرقمية الفريدة، أما الدرس الأكبر فهو «الوفرة وما يقابلها من حكمة ودقة» فعالم الخيارات الذي توفره لنا المنصات الرقمية كذلك، يتيح لنا الدخول إلى لغات وثقافات كثيرة، لكن تبقى معضلات اللغة العربية والخوارزمية، تحدياً كبيراً، لا يمكن القفز عنه دون معالجته بالأدوات المناسبة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"