كهف للكتابة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

كلام كثير قيل عن طقوس الكتابة لدى الكتّاب والأدباء، ويشمل ذلك، في ما يشمل، الأوقات المفضلة لديهم للكتابة، صباحاً أو مساء، والأماكن التي يختارونها وهم يكتبون؛ إذ قرأنا عن قدرة بعض هؤلاء الكتّاب على أن يكتبوا حتى وهم وسط الضجيج، في المقاهي والحانات وما إليها. وكان غابرييل ماركيز قد تحدث عن أنه كتب إحدى رواياته في مكان مثل هذا، وهناك من يكتب «على هدير» ماكينة غسل الملابس في البيوت، كما عبرّت الروائية العراقية إنعام كجه جي، في حديث صحفي لها أجري في القاهرة قبل أشهر وهي تجيب عن سؤال حول طقس كتابتها، فإننا بالمقابل قرأنا عن كتّاب آخرين لا تخلو ظروف وأماكن كتابتهم من شيء من الرفاهية، إن صحّ القول، ولو مجازاً.
الأديب اللبناني ميخائيل نعيمة قال في معرض الإجابة عن سؤال مشابه، إنه لا يستطيع الكتابة إلا في جو هادئ، ولنا أن نخال أن هذا المكان الهادئ غرفة منفصلة في محل سكنه أو في طابق علوي منه، لكننا سنعرف من الإجابة أن هذا المكان ليس سوى صخرة مجوفة كالكهف، من صنع الطبيعة، وهذه الصخرة، حسب وصفه «مكان ألوذ به بين الصخور في الشخروب»، وهي البلدة التي يقصدها للتفرغ للكتابة بعيداً عن محل سكنه في ضيعة بسكنتا.
هناك  يقول نعيمة  «أجلس فلا يراني أحد، ولا أكون إلا مع قلمي ودفتري وقلبي وفكري، وهناك أيضاً أبتعد عن الناس، لكن لأقربهم إليّ أو أقترب منهم، فأتأمل مشاكلهم ومشاعرهم، وأبثّهم عواطفي، فأكتب لهم من عقلي وقلبي وروحي».
مرة قرأتُ لكاتب روسي قولاً استهله بصيغة استفهامية كالتالي: «لا أدري إذا كان الكتّاب الآخرون يستمعون إلى الموسيقى أثناء كتابتهم لمقالة أو كتاب ما، ولكنني أعتبر الاستماع إلى الموسيقى أثناء الكتابة أهم بند في دستور الكتابة»، موضحاً أن الكتابة على أنغام المؤلف الموسيقي شوستاكوفتش تعتبر بالنسبة له، أجمل كتابة، مضيفاً أنه لا يفهم في الموسيقى أيّ النوتات وما شابه ذلك، ولكنه يشعر بأن موسيقى هذا الفنان «تبعدنا عن أمراض التعصب والخوف من الأفكار الأخرى».
لم يقل ميخائيل نعيمة في الحوار المشار إليه ما إذا كان الاستماع إلى الموسيقى جزءاً من طقوس الكتابة عنده، لكنه قال إنه يحب سماع الكمنجة والعود والقانون العربي، شريطة أن يكون العازف ماهراً، أما أحبّ الأصوات إلى سمعه وأعذبها فهو صوت فيروز «بما فيه من نغمات لطيفة وكلمات لائقة»، مشيراً إلى أنه يُقدّر كثيراً ويشكر كل من يقوم بكتابة كلمات أغانيها ويلحّنها، لأنهم  في رأيه  «موفقون جداً في اختيار المقاطع المناسبة والعبارات التي تلائم حدود صوتها».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"