عادي

سارة الجروان..حكاءةعلى درب شهرزاد

19:37 مساء
قراءة 4 دقائق
سارة الجروان
  • «الليالي العربية» أول كتاب فتحت عليه عيناها

الشارقة: علاء الدين محمود

من عوالم «ألف ليلة وليلة»، الساحرة خرجت القاصة والروائية والكاتبة سارة الجروان، فذلك الكتاب كان محطتها الأولى في بوابة القراءة والحكاية، وربما هو العالم الذي شكل وجدانها السردي لتبدع في مجالات القصة والرواية ومختلف أشكال الكتابة الإبداعية، ولا عجب في ذلك، فلا شك أن مواقف وحكايات الليالي، ألهمت العديد من الأدباء في مختلف أنحاء العالم، فتأثيرها لم يكن فقط على الكتاب العرب، وربما ذلك ما جعل الجروان تعود دائماً إلى تلك المحطة المهمة في حياتها الأدبية، وذلك يبدو واضحاً من قولها عن «ألف ليلة وليلة»: «أول كتاب قرأته، وكنت لم أزل في العاشرة من عمري، شعرت حينها بأنني تعلمت من خلاله كيفية القراءة، كان عبارة عن أربعة مجلدات ثقيلة تجعلني أعاني حمله بين يدي الواهنتين الصغيرتين، فأضطر إلى وضعه فوق سريري، وأنكب على قراءته بمتعة كبيرة تجعلني أحلق بعيداً إلى أبعد من خيالي الشغوف للتبحر في كافة أنواع المعرفة»، ومن الواضح أن أثر ذلك الإرث العربي الضخم تخلخل في عمق أسلوبية الجروان الكتابية.

* تأثير

الشغف بالقراءة والتعمق في الاطلاع كون رصيداً كبيراً لدى الجروان، ودائما ما تشير إلى مؤلفات بعينها كان لها أثر واضح في تكوينها الوجداني والثقافي، فبالإضافة إلى «ألف ليلة وليلة»، كان هناك كتاب «الأيام» لطه حسين والذي تعلمت منه الكاتبة نبذ الانهزامية، وتبدو الجروان شديدة الاعجاب بهذا الكتاب الذي استطاع المؤلف أن يعكس فيه سيرته الذاتية بصورة خلابة وموضوعية تتسم بالتحدي والإصرار أمام مطبات وأزمات الحياة، وتصنع المعجزات لأصحابها، وكذلك تأثرت الجروان برواية «نادية»، ليوسف السباعي حيث وصفتها بأنها أكثر الروايات الحالمة التي اطلعت عليها في سن صغيرة حيث كانت تبلغ الـ15 عاماً من عمرها، فكان أن أعجبت بعوالمها الرومانسية وأسلوبها الهامس.

كان لتلك القراءات أثر حاسم فيً التوجه نحو الكتابة الأدبية لدى الجروان، ذلك العالم الذي اقتحمته في وقت مبكر، الأمر الذي ساعدها كثيراً في بناء مشروع سردي، أو كتابي مختلف، وظهر ذلك جلياً في أول أعمالها الروائية التي حملت عنوان «شجن بنت القدر الحزين»، عام 1992، والتي اعتبرت في ذات الوقت باكورة الرواية النسوية في دولة الإمارات، الأمر الذي جعل من مؤلفتها رائدة في هذا المجال المهم والذي صار في الوقت الراهن يحتل مكانة بارزة، وعلى الرغم من الصدى الكبير الذي وجدته الرواية إلا أن الجروان تتحفظ على مصطلح الأدب النسوي، فهي ضد تأنيث الأدب، وهي ترى أن الكاتبة الجيدة والقديرة عليها أن تصر على تسويق أدبها بعيداً عن مفهوم التأنيث والأدب النسوي، ومختلف النظريات التي تحاول أن تسجنها في خانة معينة، وهي كذلك تحمل موقفاً متحفظاً على قوائم «الأعمال الأكثر مبيعاً»، و ترى أنه لا يمكن اعتبارها معياراً دقيقاً لجودة العمل الأدبي.

* تحدٍ

عقب رواية «شجن بنت القدر الحزين» وبعض القصص القصيرة التحقت الجروان بالقوات المسلحة متطوعة في البداية، حيث كان هاجس الوطن هو دافعها في ذلك الخيار، وكان لتلك المرحلة أثر كبير في مسيرة الكاتبة الأدبية حيث قامت بكتابة «يوميات مجندة»، وهي عبارة عن يوميات أسبوعية كانت تصدر في مجلة «زهرة الخليج»، كتبتها المؤلفة بأسلوب أدبي في حب الإمارات، ومثلت مرحلة الخدمة العسكرية منعطفاً كبيراً في حياة الجروان إذ جعلتها أكثر عزماً، ورسخت في نفسها تحدياً كبيراً.

استطاعت الجروان أن تطور أدواتها الكتابية على نحو كبير، وهو ما ظهر في مؤلفات عقب تجاربها الأولى، مثل رواية «عذراء وولي وساحر»، وذلك يؤكد الإمكانيات الكبيرة لدى المؤلفة واستفادتها من التجارب والمنعطفات والمتغيرات الحياتية وتوظيفها لها في تجربتها السردية التي تتسم بالتنوع والتمرد على الأنماط التقليدية، وبصورة عامة فإن الكتابة الإبداعية والأدبية لدى الجروان تتميز بأنها مشروع يحمل هم الوطن والتاريخ والتراث والهوية.

* منعطف

ولعل من أكثر الأعمال الأدبية التي شكلت منعطفاً كبيراً في تجربة الجروان الأدبية هو مؤلفها الشهير «طروس إلى مولاي السلطان»، والذي أثار الكثيرمن الجدل لدى القراء والنقاد والأوساط الثقافية بصورة عامة، ووجد ذلك الكتاب صدى كبيراً تتحدث فيه الجروان عن تاريخ وبناء الإمارات.

تتميز الجروان بمقدرة استثنائية في الحكي، خاصة في ما يتعلق بالتراث واستدعاء الخراريف والأساطير، ويبدو ذلك جلياً في كتابها «بنت نارنج الترنج»، التي تقدم فيه الكاتبة اثنتي عشرة حكاية شعبية فولكلورية إماراتية جمعتها شفاهة من فم الرواة، تحتشد بقيم الخير وانتصاره على الشر، ووظفت الكاتبة الأسطورة بطريقة جذابة، وللعمل أهمية كبيرة عند الكاتبة فهي تقول عنه: «حرصت من خلال هذا العمل على جمع وتوثيق العديد من الحكايات الموروثة، والمعروفة في المجتمعات العربية وسواها من مختلف الأجناس والشعوب، لا سيما من المدونات الشعبية، فعمدت إلى تدوين الكتاب في قولبة جديدة، تتمثل في هدفين رئيسيين: أولهما أن يصل لأكبر شريحة من القراء، وثانيهما أن يكون الغرض من طرحه ليس كمياً، بل موضوعياً، يبحث في أصل الحكاية، وليس في كثرة الحكايا المطروحة».

* سيناريو

إلى جانب السرد برزت الجروان في مجالات إبداعية أخرى، فقد اتجهت نحو كتابة السيناريو لمسلسلات وأفلام عدة وهي تحمل فهماً مختلفاً لهذا المجال إذ تقول: «شعرت بأنه قد يكون نوعاً من التحدي لكتابة نص جديد لم أطرقه قبلاً، ونظراً للكم الهائل من تلك الأعمال الدرامية الهابطة التي تفشت مؤخراً، فقد أخذتني الحمية لولوج هذه التجربة والمحاولة لأجل كتابة نص يوحي بتلك الحميمية التي تعالج قضايانا بشفافية وتحترم مجتمعاتنا، وتطرح رؤية بناءة خلاقة تخدم الأسرة الخليجية العربية المسلمة».

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"