ندوب التضخم بين العاطفة والعقل

21:29 مساء
قراءة 4 دقائق

ديان كويل*

حتى وقت قريب، كان التضخم في الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، منخفضاً للغاية لفترة طويلة لدرجة أن جيل الألفية، أو جيل «Y»، لم يشهد أساساً مستويات العيش خلال ارتفاعات الأسعار في أواخر السبعينات. فما بالك بالجيل «Z» الجديد. لقد كانت مستويات سيئة، بلغ فيها التضخم السنوي لأسعار المستهلك في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ذروته، عند 13.5% و18% على التوالي، في عام 1980.

لكن الأرقام الرئيسية لا تكشف عادة عن التكاليف التي يسببها التضخم المرتفع، مثلما لا يوجد تقييم اقتصادي منطقي لحسابها. بما في ذلك التشوهات التي تنشأ عندما تتفاعل الأسعار المرتفعة مع النظام الضريبي، أو تآكل مدخرات الأسر، أو تأثير عدم اليقين الناتج على الاستثمار والنمو.

يُشير الاقتصاديون إلى أن الزيادات في معدل التضخم لها تأثير إعادة التوزيع، على اعتبار أنها تضرّ بالمدّخرين وتفيد المقترضين من خلال تقليل عبء ديونهم بالقيمة الحقيقية. لكن هذا يُمثل في المقابل راحة حقيقية للأشخاص الذين لديهم قروض عقارية كبيرة ممن يواجهون الآن أعلى معدلات لأسعار الفائدة، وبالتالي مطالب أكبر على دخلهم المتاح في الآونة الأخيرة.

إن تأثير إعادة التوزيع يجعل استجابة السياسة للتضخم أمراً لا مفر منه. وهنا، تجدر الإشارة إلى تجاهل بنك إنجلترا مطالب الناس المتكررة بزيادات في الأجور تتناسب مع التضخم. فمتوسط الدخل السنوي المتاح للأسر في المملكة المتحدة يبلغ حوالي 31 ألف جنيه استرليني، في وقت من المتوقع أن ترتفع فيه فواتير الطاقة إلى أكثر من 4000 جنيه استرليني سنوياً اعتباراً من يناير المقبل، مقابل 1400 جنيه استرليني قبل عام تقريباً، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنحو 10% في ال12 شهراً الماضية.

إن خوف بنك إنجلترا من دوامة أسعار الأجور أمر منطقي، لكن التقييمات الاقتصادية «العقلانية» لا تأخذ عادة العواقب «العاطفية» للتضخم المرتفع. ويمكن تفسير ذلك وفهمه بسهولة أكبر في حالة التضخم المفرط. وتجربة ألمانيا في عشرينات القرن الماضي، وكيف ساهمت في عدم الاستقرار الاجتماعي، أكبر مثال على ذلك، فقد كان لها تأثير في صنع السياسة الاقتصادية استمر حتى يومنا هذا.

وحتى فترات التضخم الأقل، كتلك التي حدثت في السبعينات، تركت أيضاً ندوباً عاطفية. لقد كنت مراهقة في ذلك الوقت، وأتذكر جيداً قلق والدتي بشأن قدرتها على تحمل فاتورة الطعام الأسبوعية. كان لديها خزانة تضع داخلها العلب أو المنتجات الجافة التي اشترتها بعرض خاص، وهو نوع من حساب التوفير لإطعام الأسرة. اليوم، لدي خزانة مماثلة في المنزل، وقد ورثت أيضاً هوس والدتي بإطفاء الأنوار والحفاظ على منظم الحرارة منخفضاً. ربما تضع هذه العادات الموروثة أسرتي في وضع جيد لنهاية عام 2022 وطيلة العام المقبل. لكن تخيل أن أسلوب الحياة المتبع هذا سبق الأزمة الحالية بكثير، مما يُبرر مخاوف والدتي منذ عقود.

في الواقع، لم تشهد التجربة الحديثة تضخماً مثل الحاصل اليوم. ولطالما اعتقد الناس أن أسعار السلع اليومية مثل الملابس، أو الطعام، أو الأجهزة الإلكترونية، أو الأدوات المنزلية وغيرها من المرجح أن تنخفض أكثر من أن ترتفع، وربما يكون الشعور أكثر تفاؤلاً من ارتفاع أسعار الخدمات كالنقل والتأمين. ومع ذلك، هناك تقارير عن زيادة الطلب على الطعام في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وزيادة استخدام النقد في ظل محاولة الناس تقييم ميزانياتهم بعناية أكبر. ولم يعد الحديث حول ما إذا كان الاقتصاد في حالة ركود أم لا مهماً نسبياً، فقد أثبتت التجربة أن قلة الإحساس أجدى بكثير من الخوف والألم الذي يشعر به الوالدان بشأن عدم قدرتهما على توفير الطعام والمأوى لأطفالهما.

وتأتي هذه التكلفة العاطفية لارتفاع التضخم في أعقاب تجربة مختلفة تماماً ولكنها مؤلمة بالمثل لوباء كورونا. وسنرى كيف سيؤثر الشتاء القادم «القاسي اقتصادياً» في الشباب الذين قضوا بالفعل الجزء الأكبر من العامين الماضيين معزولين عن أقرانهم بسبب الإغلاق، إنه جيلٌ قلق للغاية ينمو أمام أعيننا!

وعليه، يقودنا التعرف إلى التكاليف العاطفية لتضخم اليوم إلى نتيجتين، الأولى هي أنه وعلى الرغم من أن نصيحة الاقتصاديين مهمة بالتأكيد للحد من السرد التضخمي، إلا أن الاستجابة السياسية هي أكثر تحدياً وأهمية من تصحيح الاقتصاد، وتعتبر الداعم الأول. فقد يلجأ السياسيون بشكل «عقلاني» أحياناً إلى سياسات مثل مساعدات مالية «تضرّ بالميزانية» لكنها تُسعف الأسر المتعثرة، أو تدخلات تُسهم في تحديد وخفض أسعار السلع والمواد، «تستبعدها العقيدة الاقتصادية السائدة».

فالكفاءة الاقتصادية ليست الأولوية القصوى في أي أزمة. وهذا هو السبب في أن وزارات الاقتصاد الحذرة يجب أن تخطط من الآن لخطط تقنين لبعض سلع الطاقة والغذاء تحسباً لأي طارئ، كما كانت الحال بالنسبة للبنزين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في منتصف السبعينات.

الاستنتاج الثاني هو أن هذه الفترة من المحتمل أن تجلب معها عواقب اجتماعية مهمة.

*أستاذة السياسة العامة بجامعة كامبريدج، «بروجيكت سينديكيت»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y8ukfeke

عن الكاتب

أستاذة السياسة العامة بجامعة كامبريدج

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"