عادي

القتل مرتين

23:15 مساء
قراءة 3 دقائق

كتب: محمود محسن

الرفيق قبل الطريق، ربما تكون مقولة شهيرة، إلا أن كثُراً اتخذوها معياراً لتبنى على أساسه العلاقات والصداقات، وهي أن طريقك نحو المستقبل وتحديداً في مرحلة الشباب، يتوقف على مدى اختيارك لرفاقك، فمنهم من يقودك إلى الصلاح، وآخرون يدفعونك إلى الظلمات، فلا ينالك من صحبتهم إلا الهلاك.

ولم يكتف رفقاء السوء باقتياد صديقهم إلى الظلام، بل قتلوه بفعلتهم مرتين، بعد أن أعمى الخوف بصيرتهم وطمس الرحمة في أفئدتهم، ليصور لهم أن التخلص من رفيقهم السبيل الوحيد للنجاة.

تفاصيل القتلة الأولى تمثلت في إغواء 4 أصدقاء لصديقهم الخامس، بالانخراط معهم والانسياق وراء أهوائهم، وسذاجة الضحية وبراءته ومحدودية أفقه لم تصور لمخيلته ما سيترتب على الانغماس في دهاليزهم من مخاطر وعواقب وخيمة، وأن النهاية ستكون قريبة، وبالفعل ينساق الصديق الضحية وراء دعوات أصدقائه لمشاركاتهم جلساتهم وأنشطتهم.

في البداية بدت العلاقة على ما يرام، مجرد أصدقاء تجمعهم اللحظات المشوّقة إما في المنزل أو في مركبة أحدهم، متجهين لقضاء وقت الفراغ، أمر طبيعي بل وقد يكون اعتيادياً لدى كثير من الأصدقاء في مرحلة الشباب، هكذا تمضي أوقات فراغهم، ولكن سرعان ما تحولت إلى أنشطة غير اعتيادية، خاصة بعد أن تبددت لحظات الاستمتاع، وتحوّلت إلى أوقات يشوبها الغموض، ومعها تحولت وجهاتهم وأساليبهم؛ ترى ما الذي يدفع الأصدقاء إلى التخفي واختيار الأماكن البعيدة والمظلمة لقضاء أوقات فراغهم؟ أما من شيء غريب في تلك الأفعال؟

تساؤلات وأفكار راودت ذهن الضحية، إلا أن الفضول وحماسة الشباب دفعاه للانجرار ورائهم بكامل الرضا، ضارباً عرض الحائط بعواقب انسياقه وراء فضوله، ليتقرب منهم شيئاً فشيئاً، ويوطد العلاقة أكثر فأكثر، إلى أن اكتشف الأمر، «السمّ الأبيض»، ففي إحدى الجلسات الشبابية بادر أحدهم بالعرض عليه مشاركتهم تجربتهم في التعاطي، ورغم الصراع الداخلي الذي دار في نفسه، فإنه في نهاية المطاف رضخ واستسلم، لأن لا أحد سواه لم يقدم على ذلك، وفي عرف الشباب سيظهر أمام الجميع، وكأنه الطفل الخائف أو الضعيف غير القادر على مجارتهم، ليقع في الفخ ويقدم على التجربة المريرة، وبفعلته يكون قد نال من نفسه، ونال أصدقاؤه منه معرضين حياته للخطر.

لم تكن الجرعة الأولى كفيلة بإيذاء الضحية، لكن المواظبة عليها أوقعته في براثن الإدمان، ورغم أنه حديث العهد مع التعاطي، فإن الشجاعة الواهية دفعته للمغامرة، وتعاطي الجرعات بكميات أكبر.

وفي إحدى جلسات التعاطي الكائنة بمنطقة صحراوية مترامية الأطراف، بدأ الضحية بكتابة نهايته بيده، إذ أقدم على خلط جرعة من الهيروين مع الماء متعاطياً إياه عبر حقنة وريدية، كانت كفيلة بفقدانه للوعي، ما أدخل الخوف والرعب في قلوب رفاقه، وبدلاً من محاولة إنقاذه، فرّوا تاركين صديقهم في مركبته بمفرده وسط الصحراء، ليعودوا مجدداً بعد يومين من الواقعة إلى موقع نفسه، ليجدوه قد فارق الحياة، وهنا تكتمل القتلة الأولى.

تملك الخوف من المتهمين الأربعة، وشوشة أذهانهم، خوفاً من التورّط في ما لحق بالضحية، إلى أن قادهم سواد أفكارهم إلى القتلة الثانية، فبدون توان أو تردد أقدم الأصدقاء الأربعة على حمل صديقهم، ووضعه في مركبته في وضعية القيادة، وإشباع مركبته بالوقود بسكبه عليها من كل جانب، وأضرموا النار بها لطمس معالم الجثة، وبذلك يكونون قد تخلصوا من كل الآثار الدالة على تورطهم في وفاته.

ورغم أن النيران أتت على المركبة ومن فيها، طامسةً كل الآثار والمعالم، فإن رجال الأمن كان لهم قولٌ آخر، فقادتهم تحرياتهم وتحقيقاتهم في الواقعة إلى أحد خيوط القضية التي أوقعت فيما بعد بالمتهمين الأربعة الذين ما إن وجهت لهم أصابع الاتهام حتى اعترفوا بفعلتهم، لينقادوا إلى ساحة المحكمة لتبتّ فيما اقترفوه من فعل تقشعرّ له الأبدان، وإيقاع أقصى العقوبات بهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p879xre

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"