عادي

حكم التداوي بالخمر

22:45 مساء
قراءة دقيقتين
1
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

الأصل في الخمر أنها لا يجوز شربها، لأنها محرّمة بنص الكتاب والسنة والإجماع، ولا يجوز التداوي بها أيضاً لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم»، رواه البخاري.

وفي حديث آخر: «أن طارق بن سويد سأل النبي عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال إنما أصنعها للدواء، فقال عليه الصلاة والسلام إنه ليس بدواء ولكنه داء»، رواه مسلم وأحمد وأبو داوود وابن ماج.

نعم قال الأئمة الأربعة المعتمدون، رحمهم الله، بأنه يحرم الانتفاع بالخمر وسائر المسكرات للمداواة وغيرها، لكن الحنفية قالوا: يجوز التداوي بالمحرم إن علم يقيناً أن فيه شفاء ولا يوجد دواء آخر يحل محله.

ونقرأ للشافعية أيضاً حرمة التداوي بالخمر لكن قيدوا قولهم بكون الخمر خالصاً، أما إذا خلطت بشيء آخر فيجوز بشرط أن يكون التداوي بقليل لا يسكر، انظر ما أورده الدكتور وهبة الزحيلي، رحمه الله تعالى، في «الفقه الإسلامي وأدلته» ج3 ص522- 523 نقلاً عن ابن عابدين في حاشيته ج5 ص220 «والشرح الكبير» للدردير ج4 ص352 وما بعدها، «ومغني المحتاج» ج4 ص187، «والمغني» ج4 ص255 وج8 ص308.

ويقول العز بن عبدالسلام: يجوز التداوي بالنجاسات إذا لم نجد طاهراً، لأن مصلحة العافية أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة.

ثم يقول: ولا يجوز التداوي بالخمر إلا إذا علم أن الشفاء يحصل بها ولم يجد دواء غيرها، انظر «قواعد الأحكام» ج4 ص188.

وربما كان الأوضح في هذه المسألة ما أورده العالمان المالكيان ابن العربي والقرطبي؛ حيث قالا: يجوز الانتفاع بالخمر للضرورة لقوله تعالى: «فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه». الآية 173 من سورة البقرة، فالضرورة رفعت التحريم، لأن إهمال تعاطي الدواء قد يسبب الوفاة، انظر «أحكام القرآن» لابن العربي ج1 ص 56 وما بعدها، وانظر «تفسير القرطبي» ج2 ص231.

أقول: والضرورة هي الخوف على النفس من الهلاك، وقد قيد العلماء الضرورة بضوابط مثل أن تكون الضرورة حاصلة لا متوقعة، وألا يكون هناك وسيلة أخرى من المباحات، وألا يخالف المضطر مبادئ الإسلام، وأن يقتصر على رأي الجمهور على القدر اللازم، وأن يصف الضرورة طبيب عدل ثقة.

وقالوا أيضاً إن المحرّم يباح للمضطر في السفر والحضر، وفرق بعضهم بين المعصية بالسفر والمعصية في السفر، فالمسافر لارتكاب معصية لا يجوز له أكل المحرم أو استعمال أي رخصة شرعية لأن سفره غير مشروع.

ومن سافر للتجارة في الحلال، وفي السفر شرب الخمر مثلاً فهو عاصٍ لكونه شرب المحرم، لكن هذا الفعل لا يمنعه من أن يقصر الصلاة مثلاً، انظر «المغني» لابن قدامة ج8 ص596 «والتوضيح» ج2 ص194 «وبداية المجتهد» ج1 ص462 «والأشباه والنظائر» للسيوطي ج1 ص124.

وبناء على ما سبق، فإن نسبة الكحول الموجودة في الأدوية اليوم يمكن أن تحمل على مثل هذه النصوص الموجودة في كتب علمائنا الأجلاء، رحمهم الله تعالى، فهي من باب الضرورة لأن أي دواء لابد أن تدخله نسبة من الكحول للمحافظة عليه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4b85zmyr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"