إشكالات الأمن المائي بالمغرب

00:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

يرتبط الأمن المائي بمختلف التدابير الرامية إلى ضمان توفير الماء بجودة مقبولة ووصول الأفراد إليه، والحرص على استخدامه بسبل «محوكمة» ورشيدة، تدعم تحقيق التنمية المستدامة. وقد مثل تحقيق هذا المطلب رهاناً رافق الحضارات والمجتمعات الإنسانية التي عملت على توفير هذه المادة الحيوية التي تتوقف عليها الحياة.

وفي الوقت الراهن، أضحى تحقيق الأمن المائي على رأس الأولويات الاستراتيجية التي تحظى باهتمام الدول بغض النظر عن إمكانياتها وقدراتها، ذلك أن توفير المياه، يمثل أحد المرتكزات الكفيلة بتلبية العديد من الحاجات الحياتية والاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز جهود التنمية.

رغم الجهود المبذولة في السياقين الوطني والدولي، مازالت ندرة المياه تمثل أحد أهم المخاطر التي تتهدد أكثر من ثلثي ساكنة العالم، بل إن الكثير من الدراسات الاستراتيجية تحذر من أن الصراعات والحروب العالمية والإقليمية في المستقبل، ستكون حول مصادر المياه أساساً. فيما تبرز العديد من التقارير العلمية وتلك التي تصدرها المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة، أن هناك ارتباطاً كبيراً بين ندرة المياه وتدهور الأوضاع الاجتماعية والسياسية، حيث يتسبب الجفاف في زيادة أسعار المواد الأساسية، وفي انتشار الفقر، وتهديد السلم الاجتماعي بشكل عام.

يمرّ المغرب بظروف مناخية قاسية، تعيد شبح الجفاف الذي مرت به البلاد قبل عدة عقود إلى الواجهة، بعدما تعرضت الكثير من المناطق لاستنزاف أحواضها المائية الباطنية، وتراجع حقينة السدود بشكل مخيف خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما طرح بحدّة مساءلة واقع تدبير الموارد المائية وعقلنتها، على اعتبار أن الأمر يتعلق بإشكالية حقيقة، ساهمت فيها التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، وكذا الاستخدامات العشوائية والمفرطة للمياه.

فبعدما كان المتوسط السنوي لنصيب الفرد من المياه يصل إلى حوالي 2000 متر مكعب، خلال سنوات الستينات من القرن الماضي، تراجع بشكل لافت في السنوات الأخيرة، ليصل إلى 600 لتر مكعب في الوقت الراهن، فيما تحذر بعض التقارير الرسمية إلى أن هذه النسبة مرشحة للتراجع، وينتظر أن تصل إلى 500 متر مكعب في عام 2030.

لا يمكن إغفال الجهود التي قام بها المغرب منذ عدة عقود على طريق ضمان أمنه المائي، حيث استفاد من التجارب القاسية لسنوات الجفاف الماضية، سواء من خلال نهج سياسة بناء السدود المنتشرة على امتداد مناطق مختلفة من البلاد (حوالي 150 سداً)، وإحداث بنى تحتية مائية، أو بلورة مخططات وبرامج متوسطة وطويلة المدى في هذا الخصوص، كالبرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي للفترة 2020-2027، والمخطط الوطني للماء لسنة2030، والمخطط الوطني للماء 2020- 2050، وإصدار تشريعات مائية مهمة.

ورغم ذلك، هناك الكثير من المؤشرات التي تحيل إلى أن ثمة مفارقة قائمة بين تنامي الاحتياجات المائية من جهة، وضعف الاحتياطات المائية المتاحة التي لم تعد قادرة على تأمين الحاجات الاجتماعية والصناعية المتزايدة في هذا الخصوص، بفعل تراجع نسبة التساقطات المطرية، وعدم إرساء منظومة متكاملة واستراتيجية تعزز الأمن المائي، إضافة إلى وجود اختلالات مجالية تكرس التفاوت على مستوى الاستفادة من الموارد المائية المتاحة.

وأمام هذه المعطيات، تنامت التحذيرات من أجل اتخاذ مزيد من المبادرات التي تروم مواجهة التحديات المطروحة، وبخاصة على مستوى تحقيق عدالة مجالية تستحضر في عمقها الجانب المائي، من خلال تحويل المياه من المناطق التي تشهد وفرة في هذا الصدد، نحو المناطق المتضررة، خصوصاً أن هناك معطيات إحصائية تشير إلى تباين في متوسط الحصة السنوية للفرد من الماء من 100 متر مكعب في بعض المناطق، إلى 1000 متر مكعب في مناطق أخرى.

كما لا تخفى أهمية تعزيز المقاربة التشاركية بين مختلف المؤسسات والهيئات المعنية وطنياً وجهوياً، في كسب هذا الرهان في إطار من التكامل والتنسيق والتعاون، وتعزيز الإطار القانوني وتفعيله، انسجاماً مع مقتضيات الفصل 31 من الدستور التي يؤكد على أنه «تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة..».

إضافة إلى البحث عن مصادر جديدة تعزز الأمن المائي، من خلال تحلية مياه البحر، وإعادة تدوير المياه العادمة لاستخدامها في مجالات الزراعة والصناعة والبناء، علاوة على تشجيع البحث العلمي في هذا المجال، واعتماد استراتيجية تربوية شاملة تروم التحسيس بمخاطر هدر المياه، تنخرط فيها مختلف القطاعات التعليمية والإعلامية، والجماعات الترابية وهيئات المجتمع المدني.

drisslagrini@yahoo

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2tz8kbje

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"