عالم بين ناريْن

00:35 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

الاتصالات التي أجراها وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو مع نظرائه في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا، تبقى من حيث الشكل إشارة مهمة على إبقاء القنوات العسكرية والدبلوماسية مفتوحة، أما مضمون هذه المكالمات، فمن المبكر الحكم عليه بالنظر إلى التحفظ الكبير الذي يحيط عادة بفحوى الاتصالات العسكرية بين الدول، لاسيما في هذا الظرف الدولي المتوتر الذي يتطلب الكثير من الانضباط والوضوح بعيداً عن ترف المجاملات.

مثل هذه الاتصالات لن تخرج عن احتمالين بشأن الموقف في أوكرانيا، إما تصعيد غير مألوف أو بداية جنوح إلى التهدئة، وربما يكون السجال حول «القنبلة القذرة»، التي تحضرها كييف حسب الرواية الروسية، مجرد دخان للتعمية عن حقيقة أن الوضع الدولي لم يعد يتحمل المزيد من تدمير الأعصاب، وبات يتطلب نوعاً من الحوار بين الأطراف المتصارعة، وهي بالأساس موسكو في مواجهة القوى الغربية. والوضع في أوكرانيا ليس هو كل المشكلة، وإنما جزء منها وفضاء للتصعيد المتبادل. وبعد أن بلغ الصراع ثمانية أشهر، ربما بدأ التفكير في بلورة رؤية للحل السلمي، وهو ما سيحصل في نهاية المطاف بعد أن تبين أن سياسة الاستفزاز والهروب إلى الأمام ستكون عواقبها وخيمة جداً، وستقود حتماً إلى لحظة مدمرة لن تسمح بعدها بمساحة للندم.

القوى الغربية، التي تأمل إلحاق الهزيمة بروسيا في الأراضي الأوكرانية لتحتفظ مجدداً بأدوات الهيمنة، تستمر في طريق خاطئ، في ضوء تصميم موسكو على استكمال مهمتها العسكرية وتحقيق النصر وفق شروطها المعلنة المتمثلة في كسر قاعدة الأحادية القطبية وحفظ مصالحها الحيوية. والموقف الروسي ليس وحده في هذا المضمار، فما قاله الرئيس الصيني شي جين بينغ في اختتام المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي، يشير إلى حراك واسع النطاق يرمي إلى إعادة هندسة خريطة النفوذ في العالم، وعلى أساس احترام المصالح، وهذا النهج ليس فيه ما يعيب طالما من حق جميع الدول الدفاع عن حقوقها في الوجود والاستقلال. وما يصدر عن الروس والصينيين تشاركهما فيه دول عديدة، ولكن الغرب بحكم كبريائه التاريخي لا يريد أن يرى ذلك، وما زال يرغب في ممارسة غطرسته على بقية العالم دون اعتبار للكثير من المبادئ التي بدأت تتآكل في الفترة الأخيرة.

في هذه اللحظة التاريخية يقف العالم بين نارين. والتواصل بين الأقطاب يبقى أسلم طريق لتجنب النزاعات وإراقة الدماء والمعاناة، وحرب إلغاء طرف لآخر لن يكون فيها نصر أبداً طالما أن الغاية فرض وجهة نظر ورؤية محددة وليست تحقيق العدالة وحفظ الحقوق. أما الحرص على السلم الدولي فيستدعي إحياء قيم التعايش ونبذ الكراهية حتى يكون هناك مجال للتلاقي والاتصال بين القوى المختلفة والإيمان بأن الحرب الدائرة في أوكرانيا نذير شؤم ويجب المسارعة بإطفاء نيرانها قبل فوات الأوان، وبعد أن ثبتت التداعيات الاقتصادية والأمنية الخطيرة لهذه الحرب، أصبحت كل الأطراف، موسكو وواشنطن والعواصم الأوروبية، متضررة بشدة، ولن تستطيع الصبر كثيراً على هذا الوضع، وهنا مكمن الخطر.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3c9twntr

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"